خيرية البشلاوى
رنات -حواء علي طريقة الستينيات
تسللت روح ليبرالية إلي السينما في موقفها من المرأة إبان حقبة الستينيات عبر عنها المخرج حسين حلمي المهندس بفيلم كاشف حتي من عنوانه "حواء علي الطريق 1968" تم عرضه بمناسبة اليوم العالمي للمرأة علي إحدي القنوات الخاصة 8 مارس.
اجتهد المخرج وهو نفسه المؤلف. ان يطرح قضية المساواة بين الرجل والمرأة وأن يعدل من مفهوم العلاقة بين الاثنين من منظور حضاري إنساني.. وذلك من خلال العلاقة بين "مني" "ماجدة" و"خالد" رشدي أباظة.
والبطلان جمعت بينهما الصدفة عندما تعرضت "مني" لتحرش مجموعة من الصبية عندما تحاسرت وقررت أن تقود دراجة هي وصديقاتها في منطقة الهرم كنوع من التمرد علي التفرقة وفرض قيمة المساواة بين الولد والبنت في مجتمع ذكوري ويرفض ركوب "البنت" الدراجة مثلما يرفض المساواة في كل مناحي الحياة الأخري بالذات في محيط الأسرة والمتأمل للأحداث والتفاصيل والرموز التي تضمنها الفيلم يكتشف دون جهد كبير أن المخرج المؤلف هو نفسه أسير للمفاهيم الأيدولوجية التقليدية التي حكمت ومازالت تحكم العلاقة بين الرجل والمرأة "الذكر والأنثي" في مجتمعاتنا العربية والتي تخضع بوضوح للمؤثر الديني بتفسيراته التي يحددها "رجال" الدين بتنوع مستوياتهم وهم بطبيعتهم محافظون جدا وموقفهم من المرأة في أحسن حالاته. هو نفس موقف المخرج الذي اعتمده أساسا فكريا للفيلم وكرسه وبني عليه احداث القصة واختار الاستعارات والتشبيهات المجازية التي دسها مع بداية الأحداث باستخدام الرسوم المتحركة. ومن خلال اللقطات الحية للأم والطفل في الحديقة التي التقي فيها مني وخالد. ومن بعض اللقطات الطبيعية للطيور حيث تتجسد حكمة الله سبحانه وتعالي الذي خلقنا من ذكر وأنثي لضمان عمار الأرض واستمرارية مخلوقاته عليها.
دافع المخرج عن "مني" كإنسانة ولم يدافع عن تمردها ورغبتها في الاستقلالية أو عن رفضها للتبعية وتوالت الأحداث في اتجاه دحض المفاهيم النسوية "الشاذة" التي تبناها "الحزب" النسائي الذي إنضمت إليه.
يري المخرج - المؤلف أن الأمومة تعتبر أروع وظيفة للمرأة. وكرس بقوة قداسة الأسرة ولكن بشرط الحفاظ علي المودة والرحمة والحنان.
في المجتمعات الغربية طالبت الأحزاب النسوية بالاستقلال الكامل عن الرجل. والاستغناء عن خدماته إبان حقبة الستينيات وفي السبعينيات تراجعت هذه الأصوات بدرجة كبيرة الأمر الذي لا يمكن حدوثه أو قبوله في مجتمعاتنا فالأسرة مقدسة. وسلطة "الأب" حق يمارسه عبر أجيال برغبة المرأة وتشجيعها.
وفيلم "حواء علي الطريق" يمنح المرأة حق العمل كقيمة ينبغي أن تحرص عليها. وشجع استقلالها ماديا ولكن في إطار الأسرة وتقدمها.
فالأسرة في الثقافة السائدة بمثابة الواحة الظليلة الآمنة التي تسكنها المرأة وتعمرها بالذرية وهو المعني الذي بدأ به المخرج وأنهي به الفيلم.
قوة "خالد" رشدي أباظة" وعضلاته التي حمت "مني" من التحرش لا تشكل قيمته الوحيدة وأن كانت مطلوبة ومرغوبة من قبل المرأة العربية ولكن الأهم قوة وسعة مداركة وإيمانه بإنسانيتها وحقوقها المشروعة.
"حواء علي الطريق" يقدم "إمرأة" وليس مجرد أنثي. ولم يقدم غانية ولا أمة ولا راقصة ولا تاجرة مخدرات ولا أنثي تأكل بثديها وما ينطبق علي الشخصية الرئيسية "مني" ينطلي علي باقي النماذج اللاتي ضمهن الفيلم علي اختلاف ملامحهن ومنهن الممثلة الرقيقة مديحة سالم التي رحلت عن عالمنا منذ فترة قصيرة ولعبت في الفيلم دور شقيقة مني ونقيضها.
"نسمة التحرر" في الفيلم مرهونة بالمفهوم التقليدي وفي إطار نفس القالب الحاكم لتركيبه الأسرة المصرية.. وقضية المساواة قاصرة علي أساس إنساني وحضاري وديني "وجعل بينكم مودة ورحمة".
"سي السيد" لم يعد له وجود والرجال "قوامون" بما أبدو من مسئولية واحترام لمعني العلاقة الزوجية ومفهوم الأسرة.
أن "الحرية" بالمفهوم الغزلي عملة "مضروبة" في ثقافتنا الشرقية وممنوعة من الصرف.