المساء
محمد جبريل
من المحرر- الإبداع يكتب نفسه
القول بأن الكلمة الأولي في القصة القصيرة يجب أن تكتب وعين الفنان علي النهاية. يحتاج ــ بالنسبة لي في الأقل ــ إلي مراجعة. ذلك لأني أصر علي أن يكتب العمل الإبداعي نفسه. بصرف النظر عن نوع ذلك العمل.
قد انطلق من لا شئ. أو من مجرد فكرة هلامية.
لا أعرف أن ذلك يمكن أن يشكل منطلقاً للحبكة بوصفها أداة للتعبير.
أنا في حالة تجريب مستمرة. منذ عملي الأول الصغير "الملاك" حتي آخر ما كتبت.
التجريب سواء علي مستوي لغة السرد أو التقنية.
أخوض محاولات دائمة. متجددة.
وإذا كنت لا أتفق مع كروتشة بأن "الأجناس الأدبية غير قائمة". فإني أومن بتداخل الاجناس الأدبية. فضلاً عن وحدة الفنون بعامة.
في "الأسوار" ـــ وهذا مجرد مثال ــ إفادة من التقطيع. والفلاش باك. والمزج. والموتيفات الغنائية. والهارموني الموسيقي. والكولاج. والحوار الدرامي. وغيرها من تقنيات الأجناس الفنية.
وأحيانا. فإن الواقع يختلط بالحلم والخيال والفانتازيا والتكوينات السوريالية.
من الصعب أن أنظر إلي القصة القصيرة كأنها فصل في رواية. أو النظر إلي الفصل في الرواية ـــ في المقابل ـــ باعتباره قصة قصيرة.
لم تعد وحدة الفنون مما يثير الأسئلة. إفادة كل فن من الفنون الأخري يطالعنا في معظم الإبداعات. لكن العمل الإبداعي يجب أن تظل له الملامح التي تؤكد مذاقه المختلف. وهويته الخاصة.
إذا اختلطت الملامح. فإنها ستنتهي إلي التشوه.
قد تتضمن القصة القصيرة خصائص للرواية: السرد. اللغة. المونولوج الداخلي. تيار الوعي.. قد تتضمن القصة القصيرة ذلك كله. لكنها ينبغي أن تظل قصة قصيرة بمقومات هذا الفن. وليس بالاتكاء الساذج علي فن الرواية. وما يجب أن تشتمل عليه من مقومات وخصائص.
أعرف صديقاً من الأدباء الشباب. كتب ثلاث قصص قصيرة علي فترات متباعدة. ونشرها في الصحف بهذه التسمية. وصادفت القصص الثلاث إعجاباً من بعض أصدقائه القريبين.
ولأن الزمن هو زمن الرواية ـــ كما أطلق عليه الراحل جلال العشري أوائل السبعينيات ــ فقد جعل أديبنا الشاب قصصه الثلاث فصولاً. وأضاف إليها ما شكل ـــ في تقديره ـــ رواية!.
مهما أفاد كل فن من الفنون الأخري. تفاعل إلي حد التماهي في الفنيات. فإن أخطر ما قد يواجهه الفن بعامة. عدم التعرف إلي الحدود الفاصلة بين الرواية والقصة.
الرواية ليست قصصاً قصيرة متجاورة. والقصة القصيرة ـــ التي كتبها الفنان بهذا المعني ـــ يصعب أن تشكل فصلاً في رواية.
أبدأ الكتابة باعتبار أن العمل تجربة جديدة. قد تمثل امتداداً لأعمال سابقة. وقد تختلف تماماً عن تلك الأعمال.
قد يحرك البداية سؤال. أو تصور. أو مجرد فكرة هلامية. لكنها تكتسب ملامحها في أثناء الكتابة.
التعبير الذي أطمئن إليه أن القصة ـــ أو الرواية ــ تكتب نفسها. لا أميل إلي إعداد ملفات.»
ثمة تصور للشخصيات الرئيسة. قد تأتي في أثناء الكتابة شخصيات أخري لم تكن واردة. ولا خططت لها. أكتب بعفوية مطلقة.
ربما أتوقف عند موقف. أو عبارة. أو حتي كلمة أجد أنها لاتحسن التعبير عن المعني. أو أنها مفتقدة.
حتي لا أبتعد عن لحظات التدفق السردي. العفوي. فإني أجاوز ما يستوقفني. وأستمر في الكتابة.
بعد أن أضع نقطة الختام أعود إلي ما كتبت بنظرة الناقد. أتأمل المواقف والشخصيات والعبارة والكلمات. لا أعيد الصياغة. وإن استغنيت عما لا يحتاج العمل إليه. أضيف حرفاً أو كلمة. لا أنصرف عما كتبت إلا بعد أن يطمئن إليه الناقد في داخلي تماماً. مثلما اطمأن إليه المبدع أثناء الكتابة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف