الجمهورية
عبد الرحمن فهمى
ماذا لو كنت محافظاً؟!!
أشهر عمودين في تاريخ الصحافة المصرية عمودا علي أمين. ومحمود عبدالمنعم مراد.. رغم معاصرتهما لكبار الكُتاب.. طه حسين والعقاد ومحمد زكي عبدالقادر وأحمد الصاوي محمد وموسي صبري وجلال الحمامصي والخميسي.. وقمم أخري كثيرة. علي أمين اشتهر بأعمدته التي كانت تبدأ بعبارة:
ــ لو كنت مكان فلان.. لفعلت كذا وكذا.. ــ وفلان هذا لا يشترط أن يكون ذا منصب كبير أو صغير.. قد يكون رئيس الوزراء. أو موظفاً عادياً. أو فناناً.. أو حتي بواب الإيموبيليا.. وكتب ذات مرة.. لو كنت سائق تاكسي!!.. كان يطرح فكرة جديدة.. حتي سُمي عموده بكلمة "فكرة" حتي مماته. وورث العمود توءمه مصطفي أمين.. ولكن كان هناك فرق كبير.. عادة العبقريات لا تورث!!
* * *
ــ لماذا أكتب هذا الكلام اليوم؟!!
ــ لأنني كتبت يوم الجمعة الماضي أطالب المحافظين الجدد بأن يأخذوا وجيه أباظة وحمدي عاشور قدوة. حينما نفذا مشروعات عملاقة كانت حلماً دون أن يلجأ أحدهما إلي الخزانة العامة أو الحكومة بصفة عامة..
قال لي بعضهم وبعض المنافقين من حولهم!!.. إن الكلام ده كان زمان!!.. وردي عليهم أن هذا كلام بلا ارتباط بأي زمن.. فقط أنتم أيها المحافظون لا "تهرشون" رءوسكم لتعثروا علي أفكار جديدة تخلد أسماءكم.. أباظة وعاشور. ماتا منذ سنوات طويلة. ومع ذلك الناس لا تزال تذكر استاد دمنهور. وأوبرا دمنهور. ويتذكرون وجيه أباظة.. مازالت دمياط تذكر بعض الحرف وتشغيل كل أبناء البلد.. شارع الفناجيلي يوم فاز رفعت الفناجيلي بلاعب عام 1960. في استفتاء "الجمهورية" وقامت الدنيا ولم تقعد. كيف يطلق اسم لاعب كرة في العشرينيات علي شارع مثل سعد زغلول مثلاً؟!!.. فأصر حمدي عاشور رغم كل مقالات حلمي سلام. وانتصر عاشور. ومازال الشارع موجوداً!!
* * *
لا تقولوا لي إن هذا كان زمان.. الأفكار الجديدة والاختراعات الحديثة وعصير العلم والتكنولوجيا مستمر حتي يوم الساعة!!
في يوم ما دخل علينا الفنان الكبير حسين فهمي في استديو مصر وكان قادماً لتوه من اليابان وقال لنا: ارموا تليفوناتكم في الشارع.. الان قطعة حديد لا تزيد علي حجم الكف ممكن أن تتصل من خلالها بكل أنحاء العالم!!.. الآن قطعة الحديد هذه فيها كل ما تريده وما لا تريده!! في مايو عام ..1932 وضعوا في صالة منزلنا الكبير صندوقاً خشبياً كبيراً.. تسمع منه آيات الذكر الحكيم بصوت الشيخ رفعت. وأغاني عبدالوهاب وأم كلثوم.. جري البعض خارج المنزل خوفاً من وجود عفريت في البيت!!.. ماذا لو عاصروا النت والفيس بوك وغيرهما الآن؟!!!
إبداعات العقل البشري مستمرة إلي يوم الدين. فقط عقولنا متوقفة عند المكتب وما عليه من أوراق لا حد لها. ولا قيمة لها.. ثم الاجتماعات والزيارات والرسميات والمناسبات والمرور أيضاً والمجاملات.. كل هذا إضاعة للوقت.. وكل هذا مستمر حتي الآن.. وتريدون أن نتقدم؟!!.. كيف؟!!!
* * *
وحتي لا تقولوا إنني أحلم بماض انتهي. وعصر لن يعود.. جاءتني فكرة الآن وأنا أكتب.. ــ ماذا لو كنت محافظاً؟!!
ــ مجرد مثال.. ــ لن أشغل وقتي بأي أوراق أو مشاكل محلية أو شكاوي لأحد.. هناك موظفون يتم توزيع العمل عليهم.. فقط من يشعر بظلم يلجأ لي..
هناك موظفون زهقوا من الجلوس علي المكاتب يشربون الشاي. ويقرأون الصحف. ويتكلمون بالتليفون.. لا.. العمل الجاد المثمر المفيد يبدأ بالإحصائيات.. هؤلاء يقومون بإحصاء عدد خريجي الجامعة الموجودين في المحافظة. الذين لا يعملون!!.. مثلاً.. مساحات الزراضي البور التابعة للدولة ومساحات الأراضي البناء الخالية مثلاً.. شركات تابعة للمحافظة أو تابعة.. أو حتي شركات غير مصرية أساساً.. تتمني العمل مع تنازلات حكومية.. سنبني ونزرع المحافظة كلها.. ولا توجد بطالة علي وجه الإطلاق.. حلم ممكن تحقيقه.. بدلاً من ربط الكرافتة وزرار الجاكتة والجلوس في الديوان!!
كلمة أخيرة..
اسمحوا ليس.. بعض الوزراء كان عشمنا فيهم كبير.. ولكن.....
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف