محمد حسين
متى «تُصبِّح» مصر على المصريين؟
عاش المصريون تاريخهم الطويل، وأيامهم التى لا تحصي، فى كنف دولة مركزية عتيقة، مارست سلطانها وسلطاتها، وتعاملت معهم وساستهم دائما بوجهين: وجه حسن، باسم، عطوف، صبوح، والثاني خشن، جهم، عبوس، لا تعرف قسماته حنوا، ولا يعدهم إلا بالويل والثبور وعظائم الأمور.
وجه مصر الحسن، كان ومازال من نصيب أقليتها، النافذة والثرية والمترفة والمتاجرة، وأصحاب القدرات الخاصة من السماسرة والمهرجين والدجالين، الذين لم يكترثوا يوما، بأن يلقوا «تحية الصباح» على مصر، بعد أن اعتادوا أن يتلقونها دوما منها، فمصر هى التى تحرص أن «تصبح» عليهم كل يوم، وتغدق عليهم بلبنها وعسلهاوثمار نموها، وتمنحهم «لحمها» أراض شاسعة، يبنون عليها مدنهم المنيعة، بأسوارها العالية ودركها الخاص، اتقاء لعيون وخطر العامة، ونجاة من الضوضاء والتلوث والزحام.
أما الوجه الثاني، الوجه الخشن العبوس، فهو كان ومازال من نصيب سوادها الأعظم، من متوسطى الحال وفقرائها، وقاطنى عرائها وأرصفتها وعشوائياتها، والذين ـ للمفارقة ـ لم يحرصوا على شيء فى حياتهم، قدر حرصهم على أن «يصبِّحوا» على مصر كل يوم، بالخير والفل والحليب والقشطة، فى خروجهم بحثا عن الرزق ، وبالروح والدم فى حروبها، وبالعرق فى بنائها، وبتحويلاتهم من «تغريباتهم»، وللأسف فإن مصر لا ترد تحيتهم بمثلها، أو حتى بأقل منها.
لا يكف المصريون عن أن «يصبحوا» على مصر، ليس بجنيه واحد، وإنما بأرزاقهم القليلة وأعمارهم وأبنائهم، وسوف تبقى أحلامهم مثل جمر مشتعل، أن يعيشوا فى وطن له وجه واحد، ملامحه من ملامحهم، وصوته من صوتهم، ومشروعه العام من أجلهم.وطن يطل عليهم بوجهه الحسن، ويبادلهم تحية الصباح ، ويحقق لهم العدالة: اجتماعية وقانونية وإنسانية.
مرة واحدة فقط فى كل تاريخهم، فى ستينيات القرن الماضي، تحقق هذا الحلم،الذى لم يفارقهم حتى الآن، فيستحضرون روحه ويرفعون صوره، فى أيامهم الفارقة، بحثا عن خلاصهم.
> فى الختام.. يقول شاعر العرب أبو الطيب المتنبى:
«نامت نواطير مصر عن ثعالبها.. فقد بشمن وماتفنىالعناقيد»