د. رفعت سيد أحمد
كيف تحولت حماس من المقاومة إلى الانحياز للإخوان؟
>>عندما تغلب حماس انتماءها لفلسطين على علاقتها بالجماعة سيحترمها التاريخ
>>الحركة ارتضت أن تكون ورقة إخوانية لضمان الدعم الأمريكى
عندما كانت حماس فى الانتفاضة الأولى1987 والثانية2000 تنطلق من الهم الفلسطينى وتقدم الشهداء والأسرى بالآلاف.... ساعتها كانت حماس تمثل إضافة كبرى للقضية الفلسطينية، أما عندما تحولت إلى حركة إخوانية ذات أجندة إخوانية تبحث عن الحكم والتنظيم الدولى، أكثر منها أجندة فلسطينية تحررية.. حتى فى ذروة لحظات الصدام الدامى مع العدو الصهيونى، عندئذ خسرت حماس وخسرت فلسطين الكثير جدًا.
أما بالنسبة لخسارة القضية من الانقسام الفلسطينى فهى خسائر عديدة، أبرزها زيادة معاناة الشعب الفلسطينى على مستوى النضال الوطنى، وعلى مستوى الحياة المعاشة وحرية التنقل والحركة، وفى المقابل كسبت إسرائيل الكثير فهى قويت على المستوى العسكرى، وزادت من الاستيطان حيث اقترب الآن عدد من زرعتهم من المستوطنين فى الضفة فقط فى سنوات أوسلو وسنوات الانقسام الفلسطينى إلى ما يقرب من الـ 700 ألف مستوطن..إن الانقسام الذى يفتت الجسد الفلسطينى أسقط تماما خيار المقاومة وأعلى- للأسف - من قيم التنافس البائس على السلطة بين الفرقاء الفلسلطينيين وخاصة بين فتح وحماس.
****
إن حماس مثلها مثل الإخوان، وأى جماعة تحمل فكرًا متطرفًا، هى جماعة أولًا منغلقة على نفسها، وتعتبر نفسها أفضل من الآخرين، وأن رأيها هو الأصوب بغض النظر عن مدى صحته أو عدم صحته، بل إن هذا النوع من الفكر المتطرف لا ينظر لأفكاره على أنها خطأ، بل إنه ينظر إلى الآخرين نظرة فيها قدر من الدنيوية والاحتقار وعدم الثقة طالما أنهم لا يتفقون معهم فى الرأى، وفى ضوء هذه الخصائص نجد أن هذه الجماعات المتطرفة تسعى لتحقيق مصالحها بأى شكل كان، حتى وإن كان على تقسيم الوطن نفسه، وهذا ما حدث مع حركة حماس والإخوان المسلمين، فحماس فضلت - مع قيادات السلطة الفلسطينية التى أتت بعد اتفاق أوسلو البائس - الانقسام الفلسطينى بل إنها تصر عليه لأنها تحاول إفشال المفاوضات الفلسطينية الفلسطينية لتحقيق نوع من الوئام الوطنى بنفس الطريقة التى سعى بها الإخوان المسلمين إلى تقسيم مصر إلى فرق متنحارة وتفكيك أجهزة الدولة ( كالقضاء والإعلام والشرطة والجيش أخيرًا كان مستهدفًا).
****
بعد ما سمى الربيع زيفًا بثورات العربى، ارتضت حماس بأن تكون مجرد ورقة فى يد جماعة الإخوان المسلمين، فى إطار سعيها لضمان الدعم الأمريكى لحكمها فى مصر، ولم يكن غريبًا استقبال الإخوان عندما كانوا فى الحكم لعشرات من رجال السياسة والمخابرات الأمريكية وتعهدهم بالاعتراف بكامب ديفيد، وبكبح جماح المقاومين فى فلسطين، وحفاظهم على أمن إسرائيل بل وإرسال محمد مرسى برسالته الشهيرة للرئيس الإسرائيلى للتهنئة، وتجديد تعهده بالسلام مع الصهاينة الذين كان يلعنهم بالأمس القريب، عندما كان خارج السلطة. إن علاقة حماس بالإخوان زادت ترابطًا بعد ثورة يناير، وبالمقابل زاد الحديث عن هدنة طويلة بين الكيان الصيونى وحماس عبر وساطة إخوانية وقطرية، ولكن مجىء ثورة 30 يونيو أفشل المخطط الذى كان يعده الأتراك وقطر وواشنطن مع تل أبيب والإخوان وكانت غزة وتضحيات شعبها العظيم هى الضحية الأولى.
ويومًا إثر يوم «تنكشف لنا أسرار جديدة» عن خالد مشعل، وبعض القادة السياسيين لحماس من العاملين فى الخارج بشكل أساسى، ينكشف لنا كيف أنهم كانوا (إخوانًا) أكثر مما كانوا (فلسطينيين)، فقبل أيام نشرت الصحافة الإسرائيلية معلومات مخابراتية مهمة نشرها بعض الصحفيين أمثال (جاكى حوجى)، وحملت عنوان « خالد مشعل منع عملية نوعية خطيرة ضد إسرائيل فى أثناء العدوان على غزة التى سميت وقتها بالجرف الصامد «لمنع هذه العملية التى كانت ستؤدى إلى أسر وقتل عشرات الجنود الصهاينة أكدت فيها أن خالد مشعل تدخل شخصيًا وفى هذا السياق تقول الصحافة الإسرائيلية : [ التوتر الذى طرأ فى الـ 2014 بين القيادة السياسية فى الخارج وبين الجناح العسكرى ما زالت ترسم إلى يومنا هذا معالم موازين القوى فى صفوف حركة حماس، لم ينتهِ الأمر مع انتهاء الحرب؛ بل ما زالت مستمرة إلى اليوم، الذراع العسكرية، وعلى رأسه الرجل ذو السبعة أرواح محمد الضيف، يتهمون القيادة السياسية بأنها قيدت أيديهم ومنعتهم من تحقيق إنجاز تاريخى، إنجاز كان من شأنه أن ينهى معاناة أصحابهم من الأسرى المعتقلين فى إسرائيل ومحو الشعور بالذل الذى يرافق الجناح العسكرى منذ سنوات طويلة إثر سلسلة من الهزائم العسكرية أمام إسرائيل ]. لقد أنقذ مشعل إسرائيل لماذا لأنه ساعة فكر فى تأجيل هذه العملية الفدائية كان إخوانيًا، ولم يكن فلسطينيًا!!
****
إن حماس حركة تعيش الأزمة من الداخل والخارج، فى الداخل تتمنى تأييد الشارع ومساعدة السلطة الفلسطينية التى تدير لها ظهرها وتتمنى زوالها، وفى الخارج تبحث حماس عن حل، منذ اندلاع المؤامرة المسلحة على الدولة السورية-مارس2011-، والتى أسماها ولايزال بعض أعلامنا للأسف /ثورة/.. طُلب من حماس أن تبدى تأييدها تجاه أحد الأطراف المتخاصمة، فاختارت أن تدير ظهرها لدمشق التى قدمت لها الغطاء لسنوات طويلة ودعمتها بالسلاح والمال والسياسة، بل وبإقامة كل قياداتها المؤثرة فوق الأرض السورية وبحماية كاملة وقوية من نظامها الوطنى الحاكم، نظام الأسد.. وولت وجهها وبأوامر من التنظيم الدولى للإخوان شطر خصومها، وعلى رأسهم إمارة قطر، وتركيا وواشنطن، لقد أكدت بعض قيادات حماس فى الخارج على طبيعتهم الإخوانية بسلوكهم الانتهازى هذا وبعدم الوفاء ورد الجميل للدولة السورية التى احتضنتها لأكثر من ثلاثين عامًا.
****
خلاصة الأمر كما نفهم الآن وبعد طول متابعة لفكر ونشاط حرة حماس أنها قد انقسمت إلى (حماسين)، وأن هذا الانقسام سيزداد خلال المرحلة المقبلة، أولهما حماس الخارج بقيادة خالد مشعل، والتى أعطت ولاتزال الأولوية لانتمائها الإخوانى على حساب انتمائها لفلسطين، و(حماس الداخل) التى بحكم مرارة الواقع وقسوته أعطت لفلسطين الأولوية قبل (الأخونة) !! بالتأكيد هذه لم ولن تكن قسمة نهائية وفاصلة حيث نجد بها تداخلًا، فبعض قيادات وأفراد (الداخل) يعلون من انتمائهم الإخوانى على حساب فلسطين، وبعض عناصر (الخارج) يقدمون فلسطين على الإخوان ومشروعهم الذى انهار وسقط !! إن هذا الانقسام هو الذى أودى بحماس ووضعها فى حالة تفكك وصراع داخلى شديد، وأدى بها إلى هذه الحالة الصعبة فى طريقة تعاطيها مع الواقع السياسى العربى والفلسطينى؛ وطالما هو مستمر فإن الكثير من المشكلات ستواجهها إلى أن يحسم الأمر وتتحول نهائيًا إلى حركة مقاومة فلسطينية فقط ويسقط وبوضوح كامل وقاطع، مشروعها الإخوانى الخارجى خاصة شقه القائم على نهم الوصول إلى السلطة فى مصر مجددًا وبأى ثمن حتى لو كان التعاون مع مخابرات تركيا وقطر ومن ثم إسرائيل!! وهو مسار ثبت فشله وأثر سلبًا عليها وسيظل- للأسف الشديد- مؤثرًا !!.التفاصيل