محمود التميمى
الشامتون فى عبد الفتاح السيسى
>>لم يدرك البعض أن حديث القدرات ينبغى أن يقف رأسا برأس مع حديث الأمنيات
>>هل اتصل أحد فى الرئاسة بعبد الله السناوى بعد مقالاته الأخيرة ليفهم و يحلل ؟
>>« عيسى الدباغ » رفض فى «السمان والخريف » الشماتة فى نظام على خصومة معه لأن وطنه فى حالة حرب
" بكره تشوفوا مصر " .. ربما تلك العبارة الأشهر بين العبارات التي يستخدمها الساخرون و المتهكمون على الإدارة المصرية مع كل إشارة إلى فشل أو دليل على إخفاق .. جملة قالها عبد الفتاح السيسي ولم يشك أحد وقتها في نوايا الرجل .. مواطن مصري جاب أنحاء العالم و عرف الفجوة بين بلاده و حالها و بين بلاد بدأت رحلة النهوض في نفس التوقيت الذي تخيلنا فيه أننا بدأنا تلك الرحلة مع موجة التحرر القومي و رفض الوجود الأجنبي و طرد الاستعمار و استتباب مقاليد الوطن في ايادي الأبناء الأحرار .. إنه سؤال الفشل التاريخي للدولة الوطنية في تحقيق الرخاء و الرفاهية و التقدم .. لكن تلك قصة أخرى تقبع في أدراج الماضي و الجدل بشأنها لن يفيد كعادة كل جدل في مصر .
و الحق أن تلك العبارة " بكره تشوفوا مصر " حفلت بأسباب الأمل و أحاطها قائلها بأشكال التفاؤل بحيث صدقه الجميع حبا في المستقبل .. حبا في مصر .. صدقنا و قررنا ان نتفائل بالخير فنجده مع رجل حاز شعبية غير مسبوقة أو منكرة في لحظة تاريخية بكل المعاني .. لذلك فإن رفع سقف التوقعات كان من النتائج السريعة للعبارة التي أرى بدواعي الأمانة أنها جد صادقة .. غير أن حديث القدرات ينبغي دائما أن يقف رأسا برأس مع حديث الأمنيات .. و هذا ما غاب خلال الفترة الماضية بأشكال عدة تحسبا لمن أسماهم الرئيس أهل الشر تارة أو لشماتة الشامتين تارة أخرى ..
لايخفى على منصف وجود نقاط مضيئة و نجاحات يسجلها الإعلام بالحرف و الصورة .. لكن في نفس الوقت ظهرت ثغرات حاول البعض تفاؤلا عدم التطرق إليها اعتقادا أن تجاهلها ربما يفلح في حلها .. أو لأن جهات بعينها يثق في وطنيتها الرئيس ستتولى الحل دون ضجة أو جدل يفسد الحالة المتفائلة التي اساء إليها نفر من المؤيدين فحولوها إلى حلقات ذكر أو حملات علاقات عامة لم تعد تنطلي على المصريين ..حملات لم يكن الرئيس بحاجة اليها على كل حال .. سحب من دخان التأييد بطريقة " بالروح بالدم " أخفت وراءها مشكلات تتصاعد دون حلول عميقة و جادة .. رئيس يعمل ١٨ ساعة في اليوم و فريق حكومي يجتهد لإثبات قدرته على العمل مع الرئيس و على طرح الحلول .. لكن الحلول قد حضرت بينما غابت الرؤية في تقديري .. و ليس معنى ذلك أن هذا المقال مخصص لسرد مشكلات تفاقمت وصلت لحد الأزمات ثم استقرت كحقائق مقلقة كسعر الدولار او الموقف في مفاوضات سد النهضة أو أزمة الشاب الإيطالي الراحل " ريجيني "بعد الموقف الغاضب من البرلمان الأوروبي .. على العكس تماما .. كلنا نعرف و كلنا اجتهدنا في تحليل أسباب الأزمات و طرح الحلول من أرضية وطنية .. حبا في مصر .. و حرصا على الدولة .. شخصيا كتبت هنا تخيلا لما اعتقدت أنه من الواجب إيراده في خطاب الرئيس أمام البرلمان بشأن التوافق العام و بناء حالة اطمئنان إلى الحالة العامة للبلاد و مساريها السياسي و الاقتصادي .. و بعدها تلقيت إشارات كريمة من رجال حول الرئيس بأن الرسالة قد وصلت و أن الأفكار في المقال ستكون مصدر إلهام بأقرب مما أتخيل .. ثم فوجئت بعدها بأيام بخطاب ٢٤ فبراير الغاضب و الذي مثل نقلة تاريخية في خطاب الرئيس و توبيخ فئات حام حولها دون أن يسميها .. بل و لم يظهر معرفته بها حين سأل غاضبا : " انتوا مين ؟ " طالبا من البعض أن يسكتوا و أن لا يسمعوا غير صوت الرئيس الذي لا يشك أحد في دوافعه الوطنية في لحظة تحدي صعبة .. غير أن الأمل له أبواب على الرئيس و غيره فتحها على مصاريعها قبل أن نتحدث حديث الحدة و الغضب و الذي قد يوحي بأن ينابيع الأمل في طريقها للجفاف ..
يقرأ الرئيس المقالات .. أنا أعرف أنه يقرأ ما يكتب .. وبكل تأكيد وصله ما يكتبه تباعا الاستاذ الكبير عبد الله السناوي .. لكنك اذا ما رسمت خطا بين مقالات السناوي التي حفلت بالنقد الصحي خلال الفترة الماضية تجد قلمك و قد اصطدم بنهاية طريق في مقاله الأخير " كلام على الحافة " عنوان مؤلم و تحليل مقلق و إحساس مزعج .. لكن هل تحدث أحد إلى الاستاذ عبد الله السناوي لفهم دوافعه و معلوماته و الاستفادة من تحليله المقبض ؟ .. ليست عندي المعلومة و أرجو أن يكون ذلك قد حدث .. لكن الشواهد تقول أن التعامل مع تلك المقالات يندرج تحت عنوان " الذين لا يفهمون و يتحدثون عن مالا يعرفون " .. و ذلك محل جدال و مناقشة .. لكن المحسوم أن اصحاب تلك المقالات و في مقدمتهم السناوي يطرحون ما ظنوا و اغلب الظن ليس إثما أنه دورهم الوطني في دعم الدولة بالأفكار و اجراس الانذار قبل استحالة العلاج أو استفحال المرض .. هؤل الناصحين الأمناء يقابلهم الشامتون بمناسبة و بدون مناسبة ..و لقد تابعنا جميعا مذيعة القناة الثالثة التي اشتهرت فجأة بالحديث الحاد الدائم حول الرئيس و السياسات العامة للدولة دون سوابق تقدم لنا التاريخ النضالي للسيدة المذيعة و التي من المفترض أصلا أن عملها لا يتضمن إيراد الرأي الشخصي – في حالة إذا ما أردنا تطبيق معايير بي بي سي التي يطالب البعض بتطبيقها على التليفزيون المصري – و تلك معايير تمنع مقدم البرنامج من اظهار رأيه سواء بالتأييد أو المعارضة .. لكن يبدو أن قناعة تكونت عند السيدة الغاضبة على شاشة تليفزيون الشعب بأن الحال قد ساء للدرجة التي تستدعي الصراخ .. لكن الصراخ ظهرت فيه الشماتة في رئيس تقول له فات الكثير من نصف مدتك الرئاسية و لم تنجح في أي ملف بل و وصل الأمر لوصف الرئيس بأنه " مابيشتغلش " !! .. و ذلك في حد ذاته كذب و افتراء لا داعي للجدل بشأنه .. فلا هو قاعد عن العمل ولا هو لم ينجز أيا من الملفات التي وعد بها .. شماتة السيدة الغاضبة تبدت أكثر بعد أن حسمت في عقلها أن الرئيس لم ينجح وأن المدة المتبقية على نصف المدة الرئاسية لن تكفي لإنجاز ما وعد به في أول عامين و لسان حالها : " سلم الورقة و غادر لجنة الامتحان مافيش فايدة " !! .. شماتة في وضع تخيلت هي أنه اصبح ميئوس منه .. شماتة في رئيس من الواضح انها تكرهه بشكل شخصي يصل إلى حد الغل و الرفض المطلق قبل أن يكون الأمر خوفا على البلد او انتصارا لمبدأ ..
إذن .. تصاعد الأزمات يفتح الباب واسعا أمام الشامتين الذين لا يرون كل المساحات البيضاء المضيئة و التي تفاجئنا بها الدولة من وقت لآخر و كأنها أسرار لا تحتاج إلى تمهيد و نشر إعلامي بشكل علمي و ليس بالشكل الدعائي الفج - كن منصفا هناك بالفعل مساحات مضيئة - لكن الشامتون ينتظرون ستار النهاية بفعل الفشل ليظهروا الشماتة و البغضاء .. لا يفهمون معنى أن يكون هناك أملا و أن الإصلاح ممكن إذا خلصت النوايا و أن البلد حافلة بالطاقات المخلصة التي تستطيع بالعزم تحقيق المستحيل .. كل تلك حقائق و ليست شعارات اثبتها الشباب المصري غير مرة .. لكن نوعا آخر من الشباب يصيبك بالدهشة و الاحباط .. شباب و سيدات في جمهور تبدو عليه علامات النعمة و التيسر يحضر حفلات برنامج لا أراه سيئا رغم كل شيء " ابلة فاهيتا " ليخرج في نهاية البرنامج ليجيب عن سؤال : الدولار عمل ايه في الجنيه ؟ .. تكون الاجابه مع ابتسامة و حالة من السعادة المريضة : فشخه ..كسحه .. إداله على قفاه .. أو الفاظ جنسية تم تغطيتها بصافرة لا تمنع قراءة الشفتين لمن أراد أن يقرأ .. كلنا نعرف أن الدولار وصل لمعدلات قياسية أمام الجنيه و تلك مأساة وطنية يتأثر بها الأكثر فقرا .. و كلنا نلهب ظهر الدولة بالنقد ليل نهار أو بالصراخ الغاضب لإنقاذ الموقف فورا .. لكن لا أفهم سعادة هؤلاء الشباب و السيدات و هم يتضاحكون بينما يصورون ما فعله الدولار في الجنيه بألفاظ الضرب و الصفع على القفا أو النكاح .. في من يشمت هؤلاء ؟! .. و ما كل هذا الارتياح ؟ .. نتحدث عن مأساة اقتصادية نبحث لها عن حلول كيف تحول الأمر إلى هزل اختلط بشماتة مخبولة في وطنك و شعبك الذي سيدفع الفاتورة !!
الشامتون أيضا ظهروا بقوة بعد موقف البرلمان الأوروبي من حادث الشاب الايطالي الراحل" ريجيني" و الذي وصل إلى غضب عاصف و حاد كان متوقعا فالحادث اتخذ ابعادا تفقد مصر الاعتبار و الهيبة .. لكن كيف طاوعت البعض عقولهم فكتبوا شامتين في مواقع التواصل الاجتماعي باعتبار أن الغضب الأوروبي موجها هنا لإدارة السيسي فقط ! .. نفس الموقف فيما يخص سد النهضة و الصور التي نشرت على نطاق واسع فيما يخص انخفاض منسوب نهر النيل ثم ثبت عدم صحة أغلبها و هذا منطقي حيث لم تتم عملية ملىء السد حتى الآن .. فما الذي يستدعي انخفاض المنسوب ! .. قد يحدث هذا في المستقبل القريب و هذا ما نحذر منه و نتحدث عن سبل تلافيه .. لكن أن يتحول الأمر إلى حفلة شماته فهذا كمن يطلق الرصاص على قدميه لأنها تؤلمه !! نحتاج إلى لحظة استنارة تنقل الدولة و الإدارة و الرئيس إلى مساحات أخرى من الفهم تستدعي كل أسباب الأمل و تغلق الطريق على الشامتين الذين لا هم لهم سوى استعراض قدراتهم على الغل تجاه رجل لا يحبونه شخصيا أو يختلفون معه سياسيا إلى حد التكفير إسمه عبد الفتاح السيسي .. في نفس الوقت يحتاج هو أن يبادر بإغلاق الطريق عليهم بإدراك طبيعة اللحظة و فهم عناصر الصورة بشكل مختلف .. و ابداع اساليب مبتكره على كل المستويات .. أما هؤلاء الشامتون افتراضا منهم لوقوع حالة الفشل المبرمة كما يقدمونها للمجتمع فأدعوهم لمحاولة تقديم حلول و بدائل عاجلة لما يشخصونه من مشاكل بشرط أن يجدوا من يستمع و يناقش و يتقبل النقد .. ذلك ما اطلق عليه عملية بعث الأمل من كل الاطراف .. بعث الأمل فرض عين في تلك اللحظة من عمر الوطن .. يرن في أذني و انا اكتب تلك الكلمات صوت عيسى الدباغ بطل رواية السمان و الخريف للعظيم نجيب محفوظ .. الشخصية التي جسدها بابداع الراحل محمود مرسي حين جمعه القدر بمجموعة من الشامتين في ثورة يوليو بينما تقصف الطائرات البريطانية ضواحي القاهرة في العدوان الثلاثي .. في تلك اللحظة بينما يسود الظلام اتقاءا للغارة صب الشامتون كل حقدهم في أذني عيسى الدباغ مبشرين إياه بمنصب كبير بعد توليهم الحكم بشرط سقوط نظام ما بعد يوليو .. رفض عيسى الإنغماس في هذا المستنقع الذي يفيض بالشماتة رغم خصومته مع ثورة يوليو مقتنعا فقط بأن مصر تحارب .. و انطلق مقاتلا- حسب معالجة الفيلم - في صفوف وطنه .. الجميع الان مدعو للقتال في صفوف الوطن بالنقد المخلص الأمين و تشريح الحالة و اقتراح الحلول و الإصرار على طرح رؤية وطنية جامعة على إدارة الدولة التي لابد و أن تستجيب و تنتقل إلى مساحات فهم مختلفة لفكرة الدولة .. أما الشماتة و التأكيد على حالة الفشل و الهزيمة فتلك بالضبط الجريمة التي رفض أن يقترفها "عيسى الدباغ " في " السمان و الخريف " .. لأن الفشل و الهزيمة ستمون من نصيبنا جميعا و بإسمنا جميعا .