الصباح
وائل لطفى
الإنجازات السرية للرئيس
>>هناك إنجازات تحدث على الأرض ولكن الأهم من حدوثها هو أن يقتنع الناس بجدواها
>>عدم طرح المشروعات للنقاش العام قبل البدء فيها سبب أساسى لشعور الناس بأنهم ليسوا طرفًا فيما يجرى
>>الخوف من «أهل الشر» ليس مبررًا لإبقاء بعض المشروعات فى إطار من السرية لأن هذا ضد منطق الإدارة السياسية للدولة
>>ما الذى كانت ستخسره الدولة لو جمعت أهم مائة خبير فى الهندسة واستمعت لآرائهم فى العاصمة الجديدة
>>الحكومة بدأت فى مشروع العاصمة الجديدة دون أن يهتم مسئول واحد بأن يشرح للناس الفوائد التى ستعود عليهم من المشروع
>>طرح المشروعات للجدل بين المؤيدين والمعارضين يشجع الإعلام على طرحها ويرسخها فى أذهان الناس

نعم - هناك إنجازات للرئيس لا يعلم عنها أحد شيئًا - لكن الإعلام ليس هو المقصر الوحيد.. ولكن هناك أسبابًا أخرى.
نحن فى حالة أزمة اقتصادية.. ومن المنتظر أن تستمر لأعوام مقبلة.. وهناك أصوات تتحدث عن المساعدات المالية التى حصلت عليها مصر من الأشقاء العرب وتتساءل: أين ذهبت؟
والواقع أنها ذهبت لتمويل العشرات بل المئات من مشروعات التنمية فى مناطق مختلفة.. لكن المشكلة أن هذه المشروعات هى مشروعات سرية لا يعلم عنها أحد شيئًا.. هى مشروعات لا يعرف عنها سوى الذين فكروا فيها وخططوا لها.. وسوى الذين ينفذونها.
هل هذا وضع طبيعى؟ بالتأكيد لا.
من المسئول إذن؟ الرئيس يعتقد أن الإعلام لا يقوم بإلقاء الضوء على هذه المشروعات بالقدر الكافى.. لا أعرف هل تتعمد بعض وسائل الإعلام هذا أم لا؟
لكننى أعرف أيضًا أن الرئاسة والحكومة أيضًا بالتبعية لا تقوم بدورها فى التسويق لمشروعاتها ولأفكارها أيضًا على النحو السليم.
التسويق السياسى علم وله خبراؤه لكن الرئاسة لا تعلم عنه شيئًا.
جزء من تسويق أى فكرة أن تطرحها على المجتمع قبل تنفيذها، وأن تترك الحرية لوسائل الإعلام فى استضافة المؤيدين للفكرة والرافضين لها.
هذا سيكون مفيدًا وجاذبًا لوسائل الإعلام نفسها التى ستجد نفسها تقدم مادة ساخنة ومتوازنة تخص أمرًا مهمًا للناس.. بدلًا من أن تقدم مادة دعائية تروج للمشروع الجديد من وجهة نظر واحدة، وهو ما يجعل ما تقدمه فى هذه الحالة أقرب للإعلانات السياسية الجبرية.
أما النقطة الثانية فهى أن تحول أى مشروع أو فكرة إلى مادة ساخنة للجدل والنقاش يضمن له الرواج، وأن يتحول إلى مادة مهمة فى حياة الناس.. حتى لو اقتنع بعضهم بوجهة النظر المعارضة للموضوع.
لكن شيئًا من هذا لم يحدث فى المشروعات الكبرى التى طرحت من قبل.. لم يكن هناك سوى مهرجانات للتأييد والتبشير بالمشروع.. وحين تأخر ظهور النتائج الإيجابية لمشروع مثل التفريعة الجديدة لقناة السويس التزم الجميع الصمت.. وكان من الطبيعى أن يلتزم الإعلاميون بالحذر عند الحديث عن مشاريع كبرى جديدة.
على سبيل المثال لا الحصر هناك مشروع العاصمة الإدارية الجديدة ببحث بسيط على جوجل ستكتشف أن 99 فى المائة من المادة المنشورة عنه هى مجرد أخبار صماء عن تطورات العمل فى المشروع.
لن تجد مسئولًا واحدًا اهتم أن يشرح للناس أهمية المشروع أو الفائدة التى سيضيفها لمصر.. أو لماذا تجد الدولة والرئيس أنه من المهم أن نبدأ فى بناء العاصمة الإدارية فى هذه الظروف الاقتصادية الضاغطة؟
لا تصريح واحد لوزير الإسكان ولا لرئيس الحكومة ولا حديث للرئيس يشرح للناس فوائد العاصمة الجديدة.
والنتيجة أن الناس تتوجس من المشروع قبل أن يبدأ بدلًا من أن تفرح به وتتعامل معه على أنه إنجاز يتحقق على الأرض.
السؤال هنا.. ما الذى كانت ستخسره الدولة مثلًا لو أدارت نقاشًا عامًا حول المشروع قبل البدء به.. ما العيب فى أن يجتمع وزير الإسكان أو رئيس الوزراء بأكبر مائة أستاذ تخطيط مدن فى مصر ليستشيرهم فى المشروع؟ ما العيب فى أن يلتقى بأكبر خمسين استشاريًا هندسيًا ليستمع لملاحظاتهم؟ أو بأعضاء مجلس نقابة المهندسين؟... إلخ.. ما العيب فى أن تستضيف وسائل الإعلام المعارضين للمشروع مع المؤيدين له ليتحول إلى موضوع ساخن يلتصق فى أذهان الناس ويتجادلون حوله.. ما بين مؤيد ومعارض.. أليس هذا أفضل من أن يقرأوا بين الحين والآخر أخبارًا ميتة.. صماء.. قصيرة عن المشروع فيشعرون أنها لا تمت لهم ولا يمتون لها بصلة ما.
ثم ما الحكمة فى أن يرفض الرئيس - ويصر على رفضه - وجود ظهير شعبى يتبنى برنامجه ويروج له بين الناس.
ثم ما الحكمة فى إلغاء وزارة الإعلام وترك تليفزيون الدولة الرسمى يموت سريريًا، ويلفظ أنفاسه الأخيرة، فى حين أن تكلفة إنعاشه لا تتجاوز تكلفة مشروع واحد من المشاريع التى تؤسس، ولا تحقق الهدف السياسى منها، لأن الناس لا تعرف عنها شيئًا.
وإلى جانب تقصير الرئاسة والحكومة فى تسويق مشروعاتها وأفكارها وجذب الناس لأن يصبحوا شريكًا فيها.. هناك مشكلة أخرى.. أو سبب أساسى، وهو الخوف المبالغ فيه ممن يسميهم الرئيس «أهل الشر» إلى الدرجة التى تدفعه لإبقاء الكثير من المشروعات «سرية»!
ومع كامل الاحترام لمقام الرئاسة، فإن هذه طريقة كارثية فى التفكير.. صحيح أننا فى حرب مع الإرهاب.. لكن الحكم وإدارة الدولة ليست عملًا سريًا.. والإعلان عن الإنجازات جزء من أدوات الحرب لأنه يرفع الروح المعنوية للمواطنين، ويؤكد لهم أن هناك أملًا.
إدارة الدولة ليست عملًا سريًا.. والمفروض أن الرئيس والحكومة لهما برنامج سياسى واضح يتضمن العشرات من المشاريع، ويفترض أن يتم إطلاع الرأى العام على هذه المشاريع والالتزام بإنجازها أمامه.. وإطلاع الرأى العام على ما يتم فيها.
ليس من المطلوب بالطبع نشر خرائط تفصيلية بأماكن وجود المشاريع الاستراتيجية.. لكن ليس من المطلوب أيضًا إبقاؤها سرية خوفًا من «أهل الشر».
على الرئاسة أن تراجع منهجها فى التسويق لإنجازاتها، وستجد أنها تتحمل جزءًا كبيرًا من المسئولية عن عدم إحساس الناس بهذه الإنجازات.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف