محمد عبد العليم داوود
مجرد كلمة -«ذرف دموع الساسة.. . أمام مبكى القبور»
عفواً يا حضرات.. السياسة لا تبعث من القبور.. وساكنوها لم يطلبوا منكم سوي الزيارة بقصد الدعاء.. ونهضة الأمم لم يستمدها الساسة من بين حبات تراب وفتات العظام لرجال أدوا دورهم وهم علي قيد الحياة.. وتركوا مبادئ ومثلاً يحتذي بها الأجيال.. ولكن في بلادنا فشل الساسة في تقوية وبناء الأحزاب بفعل حكم الفرد لسنوات وسنوات.. ولم يأت بعد من يؤمن بتبادل السلطة.. فلم يظهر في عالمنا العربي إلا سوار ذهب وحيد عصره وزمانه.. فارتضي ساسة زماننا بالأمر الواقع المفروض عليهم من أنظمة الحكم.. وكهنة وحملة مباخر وأبواق كل حاكم.. فانهارت سياسة الدنيا.. وفقد الأمل في إحياء النظام.. فتوجه الشعب إلي القبور لعل وعسي أن يجد عندها حلاً.. وبدلاً من أن يخوض الساسة معارك تفعيل الدستور ومواده وأحكامه ويخرج من بينهم رجال يقودون معارك الوطن وحرمة المواطن وقدسية آدميته وكرامته.. تحولوا الي مريدين اشبه بمجاذيب الموالد.. فكل حزب وكل تيار أصبح له ولي يتوجه مريدوه ومجاذيبه الي القبر.. في مناجاة مع ساكنه علماً بأنه أصبح وأمسي لا يملك من أمره شيئا.. ويكاد لسان حاله يقول لهم أيها المساكين تركتوا مبادئ ومثلاً ووقائع سطرت يوم كنا أحياء.. ولم تحتذوا بها وأتيتم هنا ونحن بأمر الله انقطع عملنا عن دنياكم بعدما تركنا لكم أعمالاً صالحة.. . وتضحيات بالدم لتحرير البلاد.. وأقمنا المشروعات وأفنينا وعمرنا من أجلكم.. ولم يبق لنا فيكم سوي دعاء إن كنتم صالحين.. . أيها المساكين.. . آتيتم لنا ونحن أموات في القبور.. بعد أن جبنتم أن تواجهوا سلطة بوقائع استبدادها وفسادها.. لم يطلب الشعب منكم أن تواجهوا بسلاح أبداً.. فلم نكن يوما نحن ساكني القبور من دعاة الدم.. ولكن كنا دعاة حق بكلمة.. آتيتم لنا تشكو حالكم وخلافتكم.. ونحن لا نملك من أمرنا شيئاً.. . يقول سعد والنحاس وسراج الدين لمجاذيبهم من الوفديين.. أين دفاعكم عن الحريات وحقوق الإنسان اين دفاعكم عن الدستور وكيف تتركونه ينتهك يوميا ثلاث مرات مع كل شهيق وزفير.. كيف ارتضيتم ان يظل سجيناً في المعتقلات سواد ليلة واحدة.. . وكيف لكم أن يهان مواطن في مغفر أو قسم.. اذهبوا إلي داركم في الدنيا.. واصدقوا مع الشعب وارفعوا رايات الحرية.. ولايصدر منكم إلا ما يعبر عن الشعب بقوة.. . وتجردوا من مواءمات الانكسار فلم يعرف وفدي يوما للانكسار طريقاً.. ارجعوا إلي دنياكم ولا تأتوا لنا هنا شاكين باكين فلم يعرف الإسلام توسلا لموتي القبور.. ولم ولن يبني في مصر حائط مبكي لذرف الدموع . إن مبادئنا و مثلنا عرفها العالم وتعلم منها وأنتم أيها المساكين تأتون هنا لعظام لا يقدر علي إحيائها ولا عودتها إلا محي العظام وهي رميم.. ومن بيت الأمة الي قبر عبدالناصر أمام كوبري القبة.. ولسان حاله يخاطب مجاذيب الناصريين.. أنا لا أملك من أمري شيئاً وأنتم يا معشر الناصريين تركتوا دنياكم وأتيتم هنا لتشكوا حالكم وانقسامكم.. وأصبح كل منكم يمسك بقطعة من قميصي مصراً علي تبرئة عهدي من استبداد وديكتاتورية وهزيمة.. ومن هنا أهلتم التراب علي إنجازاتي في التصنيع والعدالة الاجتماعية ومشروعاتي.. فعندها تريدون الحق.. ففرقوا بين الحق والباطل.. فكما تعلمون انا بين يد العدل وأحكم الحاكمين.. لا أريد أن تأتوا لا في مولدي ولا مماتي.. ولكن أريد أن تتمسكوا بعمل علي أرض الواقع فقد مل الناس الشعارات.. انتم تذهبون وراء كل حاكم تقدمون له الولاء والطاعة.. ألم يكن رجال التنظيم الطليعي أهم رجال مبارك.. وكل حاكم يأتي تقولون عليه انه يمشي علي خطي عبدالناصر.. هكذا كانت كلمات ساكني القبور لساسة واجيال يئست من إصلاح.. لأنهم اعتقدوا يوما ان الاصلاح هو منحة من حاكم.. هكذا الساسة في مصر شيوخ وشباب لا تفرق عن مجاذيب الموالد في شىء.. وما كان من رجال النظام وأركان حكمه إلا مباركة هذا الأمر.. فالقبور لا تحدث صوتا ولا إزعاجاً.. بل إن النظام علي استعداد لتجهيز ساحات أولياء السياسة ونصب الخيام وذبح العجول والحمير واعداد الفتة لمجاذيب ساسة المقابر والاضرحة.. حقا الساسة تركوا مقار الاحزاب ولجانها ومبادئ ومثل القادة الراحلين واتجهوا بالدعاء والبكاء أمام سور المبكي.. خوفا وهلعا من غضبة السلطان.... ملعون كل جبان.. . يترك قضية وطن ويذهب باكيا امام الاضرحة والقبور... القبور لا يصدر منها إلا صمت يبتغيه جناب السلطان وأي سلطان..