عباس الطرابيلى
هموم مصرية -«صباحي».. من المجهول للمجهول
لم أتعود أن أهاجم صحفياً، احتراماً لآداب المهنة.. ولكنني أتحدث- في تعهدي- علي الصحفيين الذين مارسوا العمل الصحفي الحقيقي، وليس مجرد كتابة مقال هنا أو هناك.. ولكنني أتحدث عمن زاول هذه المهنة العظيمة، بكل مراحلها.. من جري وراء الأخبار وسعياً وراء الأحداث.. وعرق وكتب تحقيقات صحفية.. وحرر العديد من التحليلات السياسية.. وغاص في كل مراحل العمل الصحفي.. الحقيقي!
<< وحمدين صباحي، ليس- في رأيي- مثل الذي زاول الصحافة كما نعرفها نحن كل الصحفيين الذين شربناها مهنة.. وليس طريقاً للقفز السياسي ولذلك استأذن زملائي الصحفيين الحرفيين في أن أقول كلمة حق فيما طرحه حمدين صباحي ومبادرته الجديدة- وما هي بجديدة- لتوحيد القوي الوطنية.. ثم عودته للجديد- القديم- إلي ما يقوله عن انه لا بديل عن الحكم المدني، بهدف لم الشمل.. ولا غني عن الحكم المدني، تحت أي ذريعة.. وهي مبادرة ظاهرها طيب وقومي.. ولكن في باطنها دعوة للتفرقة، وليس للتوحيد.. وهنا أقول لـ«صباحي»: إلزم مكانك.
<< فهل الآن يمكن أن يدعي أحد أن الحكم في مصر، ليس مدنياً.. أليست هناك في مصر حكومة مدنية شبه كاملة وليس فيها إلا وزيران أو ثلاثة من ضباط الجيش.. وهم ضرورة مرحلية.. ورغم ذلك، فهي مبادرة أو دعوة ظاهرها طيب، وباطنها العذاب.. وتعالوا نعدد عدد الحكومات المدنية التي تولت السلطة التنفيذية خلال السنوات الخمس الأخيرة.. وماذا قدم معظمها.. وكيف تعثر تنفيذ معظم المشروعات الحيوية.. ولم ينفذها إلا قواتنا المسلحة وأرجو ألا يعتبر «صباحي» ورجاله انني أرفض الحكم المدني.. ولكنني أرفض محاولة تقسيم الأمة المصرية إلي: عسكر ومدنيين.. وأري هذه الدعوة، أو الدعوي، تشبه محاولات الاستعمار البريطاني إلي تقسيم الأمة المصرية إلي مسلمين ومسيحيين.. فما الكل: إلا وطنيين.. مخلصين، وقد احتفلنا من يومين بذكري يوم الشهيد الذي يتمثل في الفريق عبدالمنعم رياض الذي كان أكبر المصريين رتبة عسكرية وصمم أن يكون علي خط النار.. متقدماً علي الكل.. ثم أليس حرب 6 أكتوبر إلا من صنع هؤلاء العسكر، وبالطبع لا ننكر تضحيات كل الشعب المصري في معركة التحرير هذه.. أيضاً هل ينكر دعاة «يسقط حكم العسكر» انه لولا هؤلاء ما نجحنا في التخلص من حكم الإرهابيين إلا بمعارك ودماء غزيرة كان سيدفعها الشعب كله؟
<< والمبادرة، التي أطلقها «صباحي» تتحدث عن أن الوطنية المصرية هي الأرضية التي يجب أن يقف عليها كل القوي السياسية والاجتماعية لتنطلق منها لبناء أي تصورات للحاضر والمستقبل.. ثم هذا الحديث عن العدالة الاجتماعية وعن المسار الوطني للحكم هل ينكر هؤلاء الدعاة ان الحكم الحالي ليس في صالح هذه الأمة.. أم هل يشكك أحد في وطنية الحكم الحالي.. وهو- وهم- يقولون إن الدستور هو القاعدة الراسخة.. أليس هذا هو ما تحقق الآن؟
<< والطريف ان حمدين صباحي لم يقل لنا: كيف نحقق العبور فوق المشاكل الحالية للوطن، لم يشرح لنا خطته ولا برنامجه للتقدم.. ولم يقدم سوي الكلام.. بل لم يشرح لنا- مثلاً- كيف نواجه مخطط الإرهابيين لإسقاط الدولة المصرية من خلال آخر أسلحتهم الحالية، وهو الدولار، ولم يجرؤ أن يشرح لنا كيف ندعو الشعب إلي العمل والاعتماد علي الذات لنعبر المأزق الاقتصادي الحالي بسبب ضعف الإنتاج وتزايد الاستيراد.
<< والله.. لو شرح لي «صباحي» كيف.. لمنحته صوتي من أجل إنقاذ الوطن.. أما كلمات «حمدين»- ونحن نحمد الله عملياً- فهي مجرد: دخان في الهواء.. وصيداً في الهواء الفاسد السائد الآن.. وهو يصطاد فيه بل يحسن الصيد فيه!