المساء
خيرية البشلاوى
رنات -البيت الفني والجامع العربي
"اللي يعُوزه البيت يحرم علي الجامع" مثل شعبي مصري قديم لا يحتاج تفسيراً.. والسؤال هل يمكن تطبيقه في عموم شئون الحياة؟؟ دعوني أدخل مباشرة علي المناسبة التي جعلتني أتذكر هذا المثل وان كنت لست متأكدة ما إذا كان مناسبا أم لا.. قرأت في التو ما أثاره البعض عن "غزو عربي" للفن المصري. وصدمني الأمر.. كلمة "غزو عربي" جديدة علي أذني.. جيلنا ظل ومازال يحلم بالتكامل العربي.. أجيال قبلنا دعت واقتنعت بأن الفن قادر علي صناعة وحدة عربية علي عكس السياسة. وأن السينما والمسرح المصري لم يعرفا في تاريخهما كلمة "غزو" ابدا برغم التواجد الكبير للفنانين العرب في صناعة السينما والمسرح في مصر.. والأسماء طويلة والقائمة تطول ايضا فن الغناء وفنون الموسيقي والأداء التمثيلي والتأليف.. لم نسمع أبدا عبارة "غزو عربي" التي فجعتني وفتحت طاقة لعاصفة من الخواطر في مقدمتها تكريس حالة الاقتناع بأننا فعلا نعيش زمن تشرذم عربي فاجع. وأن العرب لم يكونوا في أي وقت منقسمين مثلما هم الآن. والانقسام ليس فقط ماديا بقدر ما هو معنوي وألف رحمة علي "القومية العربية" التي عشنا بها زمنا من الوهم.. وكانت حلما تكالب علي اغتياله اعداء الوطن العربي في الداخل والخارج حتي لفظت أنفاسها وخرجت من القاموس. فلا وجود لـ "حلم عربي" واصبحنا نسمع علي ألسنة بعض الفنانين عبارة "غزو عربي" "!!"
ما الذي أفسح المجال أمام بعض الفنانين المصريين للاحتجاج علي وجود فنانين عرب يشاركون في الأعمال الدرامية؟؟.. لقد ثبت بالفعل تفوق الكثير منهم ونجاحهم وقبول المتفرج المصري لهم حتي وهم يلعبون ادوار الشخصيات المصرية؟ فهل ضاقت ميزانية الدراما وضاق الممثل المصري من منافسة العربي الأقل سعرا؟؟ هل خشي بعضهم من المنافسة مثلما جري مع سائقي تاكسي "اوبر" و"كريم" وفجر حالة الاستنفار والغضب التي أصابت سائقي التاكسي الأبيض علما بأن الفريق الأول ليسوا عربا وانما مصريون ولك من ذوي "الياقات البيضاء" مع اختلاف المعني.. المقصود بـ "البياض" هنا هو نظافة الذمة. والخلو من غبار الدخان. والتحرر من الغش في "البنديرة".
الدراما المصرية صناعة ضخمة والمسلسل الواحد يتضمن قائمة طويلة من الفنانين ويحتاج الي طاقم من النجوم وليس نجما واحدا. والتنوع مطلوب. والعموم والقضايا التي تعيشها المنطقة العربية لو أصبحت قيد الاهتمام واعارها المسئولون الاهمية الجديرة بها. اصبحنا في احتياج ملح للمشاركة العربية وللتكامل العربي علي صعيد الفن والميزانيات الضخمة المطلوبة لتمويل هذه الصناعة تقتضي بالضرورة مشاركة عربية واحتياجات التوزيع تجعل من الفنان العربي جواز مرور الي جمهور بلده.
فهل ضافت "مشنة" الخبز أمام أفواه الطامعين في العدد الأكبر من الأرغفة حتي لو جاع آخرون فأصبح لسان هؤلاء "اللي يعُوزه البيت يحرم علي الجامع".
"البيت" يا سادة في أمس الحاجة "للخُبز" لغذاء الروح ودفع الهمة وشحن الضمير وتمويل الوعي بالطاقة والروح الخلاقة. حتي نعيد الوعي العربي الذي بدوره اصابه ما أصابه بسبب شراسة الاستقطاب وضياع الهدف الواحد وادراك اننا أمام خيار رهيب بين أن "نكون أو لا نكون".
من الأدلة القاطعة علي تسلل الخطر المحدق بهذا الوطن تخلخل الايمان بأننا في "بيت" واحد يحدق به الخطر من كل اتجاه. وبأننا ازاء عملية جبارة لوضع المبدأ الاستعماري القديم "فرق تسد" موضع التنفيذ العملي وباكثر السبل خبثاً والتواء وباستخدام عقولنا نحن وجهلنا وبايدينا لا بيد اعدائنا.. وانجح الطرق لتحقيق هذا الهدف تفكيك الشخصية العربية وتشكيكها في نفسها وفي "الدين" الذي يفترض أن يوحدها وذلك بتفكيك "الدين" نفسه وتوزيعه علي رءوس "الدُعاة" وهم أخطر أسلحة هذا العصر هم من ابتكروا "الجماعات" في الصحاري والمدن والوديان وعلي ضفاف دجلة والفرات والنيل و... الخ.
"الغزو العربي" تعبير منذر مقيت ودال يؤكد أن مرض "الفرقُه" القاتل بدأ يتسلل في الوطن الأكبر. والأوطان الأصغر. وحتي هنا علي أرض الكنانة وان كنا سنواجهه بمنتهي القسوة جماعة وفرادي. وياريت يعي كل واحد منا وبالذات الفنانين وهم من يملكون خاصية التأثير في الوجدان والعقل الجمعي. يعون اننا البيت واحد والخطر واخد. والمنقذ الوحيد أن نتوحد حتي ننجو لان البيت يعوزنا جميعا و"رسالة" الجامع بات يسيطر عليها "الدعاة" كفانا الله شرور بعضهم.
المرأة المصرية في البرلمان والسينما
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف