أعتذر ـ بداية ـ لأني سأحدثك في أمر شخصي. أهملت نصيحة صديقي الدكتور محمد صابر عرب أن أقصر علاج الغضروف في عمودي الفقري علي الأدوية التي يشير بها الأطباء. صدقت كلمات طبيب المخ والأعصاب الكبير الواثقة أن أخضع ظهري لعملية صغيرة بالميكروسكوب ـ التعبير له ـ أقضي بعدها فترة نقاهة خمسة عشر يوما ثم أعود إلي حياتي العادية.
مضي علي العملية ـ حتي الآن ـ ما يقرب من العامين خضعت فيها لفحوص وتناولت مسكنات. لكن الألم لم يغادر جسدي. فرض ضيافته السخيفة لأن الطبيب نسي أو تناسي تثبيت العظام . أبدي الدكتور يسري الهواري ـ طبيب العظام الشهير ـ تخوفه من إعادة فتح ظهري. ووعد الدكتور وليد هيكل بلملمة عظام الظهر المبعثرة فأستطيع أن أصلب جسدي. لكن ساقي المهيضة ستظل علي حالها وحركة الجسد لن تعود إلي ما كانت عليه. عرضت نتائج أشعة الرنين وأشعة الصبغة علي مركز طبي متخصص نصح بضرورة إجراء عملية التثبيت في الخارج. ساعد الصديق الصحفي هاني يونس المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء السابق المهندس ابراهيم محلب في استصدار قرار بسفري إلي مركز طبي في ميونيخ حدده الأطباء باعتباره الأقدر علي عملية التثبيت وأعددت نفسي لسفر قريب حتي ضرسي الذي علت آلامه استغنيت عنه فلا وقت للحشو وأنهيت ما كان ينبغي إنهاؤه وانتظرت بطاقة السفر لي ولمن يرافقني.
لاحظ الأصدقاء توالي الأيام فالأشهر دون أن تزول الآلام القاسية. حتي الكتابة التي لا أتصور الحياة بدونها قصرت أوقاتها علي بيتي الذي لم أعد أغادره. طالعت كلمات أصدقاء بضرورة تنفيذ قرار رئيس الوزراء بسفري إلي الخارج. عشرات المقالات تشكل في مجموعها كتابا كاملا وعبرت استغاثات كثيرة في مواقع التواصل الاجتماعي عن رفضها لوضع السكون الذي تجمدت فيه حالتي الصحية واتصل بي الدكتور ابراهيم شلبي المستشار الطبي لرئيس الوزراء. طلب أن أسأل السفارة المصرية في باريس عن أحوال المركز الطبي في ميونيخ واعتذر الدكتور شلبي بعدم وجود ملحقية طبية لمصر في ألمانيا وعرفت ـ في اللحظة التالية ـ من السفير بدر عبدالعاطي ان أوراقي في حوزته وان المركز الطبي في ميونيخ علي استعداد لإجراء عملية التثبيت وفي بادرة أخري وعد الصديق حلمي النمنم وزير الثقافة أن يتصل بالمستشار الطبي ـ وليس برئيس الوزراء ـ لحل المشكلة وكانت تلك أولي مكالمات النمنم وآخرها. توالت بعدها الأشهر بذلت خلالها وساطات تفوق ما فعله أمناء الأمم المتحدة منذ تريجفي لي حتي بان كي مون لكن الوضع ـ كما يقول التعبير القانوني ـ ظل علي ما هو عليه حتي وعد زميل صحفي له مكانته بإنهاء المشكلة بواسطة رئاسة الجمهورية. لكن الوعد دخل المغارة فلا حس ولا خبر. تواصلت الوساطات والمناشدات. وظلت آلام الجسد باقية حتي أيقنت ان السراب في نهاية الأفق.
أسأل نفسي: هل سكنت التدخلات لأنها عرفت ـ من الدكتور شلبي ـ ان حالتي الصحية لا علاج لها وان الأوفق أن أنتظر النهاية في وطني بدلاً من ترقبها علي سرير بمركز طبي في الخارج؟!