المساء
مؤمن الهباء
شهادة -الرجل الذي هزمه "الإرجوت"
كثيرة عندنا قصص الرجال الذين يتصدون للفساد ثم يهزمهم الفساد.. فيدفعون ثمن مواقفهم عن طيب خاطر.. وفي الأسبوع الماضي كانت عندنا قصة من هذه القصص.. دارت فصولها علانية وبكل وضوح علي شاشات الفضائيات وصفحات الجرائد.. لم يكن فيها شيء غامض.. الملايين تابعوا التفاصيل وعرفوا أدق ما فيها.. ومع ذلك انتصر الفساد.. أو علي الأقل هذا هو الواضح المكشوف.. ولم تحرك الأجهزة الرقابية المسئولة ساكناً.. ووقفت الحكومة موقف المتفرج دون أن تعطي تبريراً مقنعاً.. وهو ما دفع أحد النواب إلي تقديم سؤال في البرلمان إلي رئيس الوزراء حول الواقعة.
القصة باختصار كان مسرحها وزارة الزراعة التي قال الوزير السابق - المحبوس حالياً في جريمة معروفة - إن الفساد يلف ويدور ثم يبيت ويعشش فيها.. وكان بطلها فطر "الإرجوت" الذي يسبب مرض السرطان والذي انتصر نصراً مؤزراً. وبالضربة القاضية. علي الدكتور سعد موسي رئيس الإدارة المركزية للحجر الزراعي. المسئول عن رفض شحنتي قمح مصابتين بهذا الفطر الخبيث فكان جزاؤه أن صدر قرار بنقله من موقعه أثناء وجوده في مهمة عمل بالخارج.
لم يصبروا عليه حتي يعود من مهمته.. وبعد أن علت الضجة ضد قرار النقل.. وتناثرت علامات الاستفهام هنا وهناك.. اكتفت وزارة الزراعة بإصدار بيان نفت فيه وجود أي علاقة بين قرار النقل وشحنات القمح المستوردة من الخارج.. متصورة أن هذه العبارة كافية لإقناع الناس.
كان قرار النقل مفاجئاً لكل من في وزارة الزراعة.. وللدكتور سعد موسي الذي علم به وهو خارج البلاد. في مهمة عمل باستراليا. ورغم أنه ذكر لزملائنا الصحفيين الذين اتصلوا به في الخارج أنه لا يعرف السبب وراء ما حدث إلا أنه كشف النقاب عن السر عندما قال: "كل ما يمكن قوله أنني تعرضت خلال الفترة الأخيرة لضغوط شديدة من قبل أطراف مختلفة إلا أنني لم أبد أي اهتمام لأي منها.. حيث أنني كنت حريصاً فقط علي عدم إدخال شحنتي القمح إلي البلاد وهذا ما نجحت فيه بالفعل في النهاية".
ويبدو - والله أعلم - أن فطر "الإرجوت" له نفوذ كبير و"سره باتع" مع أنه عبارة عن أجسام حجرية تشبه الطينة الزراعية عندنا.. ويوجد هذا الفطر في أوروبا وشائع في حبوبها. خاصة القمح. ويقولون إنه يمثل خطورة كبيرة علي الإنسان والماشية في حال تناوله بشكل مستمر. فهو يسبب صداعاً للإنسان وإجهاضاً للمرأة ويؤثر علي الكبد ويؤدي إلي السرطان.. كما يصيب الماشية بالإجهاض ومن الممكن أن يصيبها بالسرطان ايضا.
وتؤكد تشريعاتنا الزراعية علي أهمية أن تكون أي شحنات واردة من الخارج خالية من فطر "الإرجوت" المسبب للسرطان.. ولهذا السبب رفض الدكتور سعد الموافقة علي إدخال الشحنتين الملوثتين.. وعندما زادت عليه الضغوط لتمريرهما. بدعوي أن نسبة إصابتهما بالفطر لا تتجاوز 05.0%. طلب أن يكون هناك أمر وزاري مكتوب بذلك لإخلاء مسئوليته. وهو ما لم يحدث. وكان الرد الطبيعي "الانتقامي" إقالته من موقعه وتكليف د. إبراهيم إمبابي بالقيام بالعمل مكانه.
أمام هذه التفاصيل المثيرة للشكوك يكتفي بيان وزارة الزراعة بالقول إن قرار النقل "جاء وفقاً لرؤية د. عصام فايد وزير الزراعة لتطوير الوزارة والأجهزة التابعة لها في إطار خطة إعادة هيكلة قطاعات الوزارة لتطوير وتحسين الأداء بما يخدم استراتيجية التنمية الزراعية 2030".
تعظيم سلام للشفافية!!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف