الوطن
كمال زاخر
قراءة فى واقعنا المصرى (3)
جاء الدستور فى صورته الأخيرة 2014 ليعيد التوازن بين السلطات الثلاث، فلا تتغول إحداها على الأخريين، وصار للبرلمان حقوق لم نختبرها قبلاً، تدعم وظيفة الرقابة والمساءلة حتى إلى سحب الثقة من الوزارة، مادة (131): «لمجلس النواب أن يقرر سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء، أو أحد نوابه، أو أحد الوزراء، أو نوابهم». بل فى قفزة واسعة باتجاه التوازن يحق له اقتراح سحب الثقة من رئيس الجمهورية، مادة (161): «يجوز لمجلس النواب اقتراح سحب الثقة من رئيس الجمهورية، وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، بناءً على طلب مسبب وموقع من أغلبية أعضاء مجلس النواب على الأقل، وموافقة ثلثى أعضائه».

ولهذا كان إلحاحنا قبل انتخابات البرلمان وأثناءها فى حث الناخبين على المشاركة فى انتخابات النواب، حتى يأتى البرلمان ممثلاً للشارع، يقدر على القيام بمسئولياته فى مرحلة الانتقال من الثورة إلى الدولة ومن الفرد إلى المؤسسة، والتحول إلى الدولة المدنية، وفى ضوء التحديات الجسام التى تواجهنا والسعى المحموم من الأنظمة الغاربة لتفخيخ الثورة وإسقاطها، والضغط على الأحلام المؤجلة وإشاعة اليأس بين الناس واستحضار التجارب السابقة التى كانت تقدم وعوداً لم تتحول يوماً إلى واقع، وتحميل اللحظة كل إخفاقات الماضى.

على أن التحدى الحقيقى الذى يواجه الثورة هو فرق السرعات بين أداء وحراك الرئيس وبين أداء وحراك المؤسسات التقليدية التى ما زالت تحكمها قواعد تشكلت وفق معطيات الثورة الصناعية على أحسن تقدير لكنها لم تتحرك باتجاه تقنيات التواصل وثورة المعلومات، وينتهى الأمر إلى تحمل الرئيس فواتيرها، ويتعمق التحدى عندما يقفز المتربصون لاستغلال هذا الأمر فى صناعة التشكيك، ومعهم جماعات المصالح.

فإذا أضفنا إلى هذا ما طال منظومة القيم المصرية الأصيلة من تجريف بامتداد نصف قرن ويزيد، بين سندان المد الدينى المتطرف ومطرقة الفساد، وتحالفهما رغم تباينهما الظاهرى، نضع أيدينا على مدخلات انهيار وانحراف آليات تشكيل الذهنية العامة، وأبرزها التعليم والإعلام والثقافة.

لم يعد خيار مراجعة وتقييم وتقويم هذه المؤسسات يمثل ترفاً، وإذا كنا ندعو لعقد مؤتمرات لإقالة الاقتصاد، وآلياته وقوانينه ومناخه، من عثرته.

وبالتوازى تحتاج منظومة العدالة إلى وقفة تضبطها وتضعها على طريقها الصحيح، باعتبارها الأساس الذى تقوم عليه حياة الوطن وأمنه، ومنها تنطلق كل سبل التقدم، والاستقرار، وهذه المنظومة تضم الشرطة والنيابة العامة والقضاء، وتحكمها قواعد عامة ومجردة متفق عليها فى كل العالم، ونحن أول من أسس لها منذ عرفنا الدولة الحديثة فى مطلع القرن التاسع عشر مع إرهاصات مشروع محمد على التحديثى، مع القوانين والدواوين والجيش النظامى، ومن تجربتنا كانت دول المنطقة تسترشد لتأسيس نظامها القانونى والتشريعى والأمنى، باستحضار القامات المصرية كل فى تخصصه.

هل يمكن إعادة النظر فى قبول ضباط الشرطة فى سلك القضاء؟ وتقييم تجربة ضم خريجى كليات الشريعة إلى صفوف النيابات المختلفة والقضاء المدنى والجنائى؟ وهل يمكن مراجعة وتقييم تجربة أمناء الشرطة بين الإبقاء والإلغاء والتحديث؟ ومعالجة مشاكل التطبيق بعد أن خرجوا من طور الشباب إلى الرجولة وبعد أن صاروا أرباب أسر؟ وهل يمكن ضبط أداء منظومة الأمن وفق المعايير الصحيحة؟

يبقى البرلمان وإشكالياته وهذا محله مقالٍ تالٍ.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف