علامتا التعجب فى العنوان وضعتهما بالنيابة عن قارئ سيقول: «وهى ناقصة وزارات»؟!
فى الواقع: هى ناقصة وزارات لأنها ناقصة ضمير.. ناقصة «إمكانيات».. ناقصة «رؤية» لخطورة هذا الملف.. ناقصة «إرادة» و«إدارة» محترمة ومحترفة لهذه الإدارة.
فى الواقع: كتبت مقالاً، أمس، حول ملف الأطفال فى مصر، ذكرت فيه قطرة من بحر فى قضية أمن قومى حقيقية تتعلق بالاستثمار فى المستقبل، وكيف تدرك ذلك دولة مثل قطر (واركن خناقة السياسة على جنب أرجوك)، بينما «مصر» التى تزخر بأهم المتخصصين فى مجال الطفولة وثقافة الطفل «نايمة فى الخط».
فى الواقع: شئت أم أبيت، أحببت أم كرهت، كان ملف الأطفال ضمن اهتمامات الدولة حين كانت المسئولة عنه والمهتمة به هى «سوزان مبارك»، وهكذا عرفنا أعياد الطفولة (أغلب التراث الغنائى لأطفال جيل الثمانينات بسبب احتفالات نوفمبر الشهيرة وأغانى صفاء أبوالسعود ومحمد ثروت)، وعرفنا مهرجاناً مثل «القراءة للجميع»، وكان من نتائجه مشروع مهم وعظيم اسمه «مكتبة الأسرة»، ورأينا ما يسمى بـ«جمعيات الرعاية المتكاملة»، ورأينا اهتماماً حقيقياً واستراتيجية واضحة للقضاء على «شلل الأطفال»، ثم انهار كل شىء فى السنوات الأخيرة لحكم مبارك، وانقرض الاهتمام بالطفل فى مصر منذ ذلك الحين.
فى الواقع: برنامج «عالم سمسم» الذى كان يقدم لسنوات فى التليفزيون المصرى لأطفال ما قبل المدرسة، كان نتاج «منحة أمريكية»، بقلظ «مات» وماما نجوى اعتزلت إعلام الطفل، «بوجى وطمطم» ذهبا بعيداً ولم تُجد معهما أى قبلة حياة، مجلات الأطفال ماتت وشبعت موتاً، محتوى الأطفال الذى يقدَّم عبر وسائل الإعلام المصرية مُخزٍ ومخجل بمعنى الكلمة، حتى التعليم يتراجع ويظل بالطرق القديمة فى عصر التابلت والتعليم التفاعلى.
فى الواقع: هناك جهات مسئولة عن الطفل فى مصر لا نعرف ماذا تفعل، إما لتقصير منها فى الوصول إلينا، أو لعجز فى وضع الخطط المناسبة وتنفيذها، أو لأن الدولة المصرية أنشأتها وفقدت الذاكرة تجاهها، فلم تعد تمدّها بميزانيات محترمة أو بإمكانيات لائقة للقيام بدورها.
أخبرنى ماذا يفعل لك المجلس «القومى» للطفولة والأمومة؟ ماذا استفاد منه «الطفل المصرى»؟
أخبرنى: هل سمعت من قبل عما يسمى بـ«المركز القومى لثقافة الطفل»؟ هل تعرف له أى أنشطة مناسبة لطفلك؟
أخبرنى: ماذا تفعل مع طفلك فى الإجازة غير وضعه أمام التليفزيون، أو الذهاب به إلى «النادى»؟ هل تعرف دوراً لمراكز الشباب فى ما يخص الأطفال؟
أخبرنى: هل استفادت «الدولة المصرية» فى هذا الصدد بتجربة «الكشافة»؟ هل تعرف مقرها؟ هل تعرف فائدة لها فى ما يتعلّق بصقل مهارات الأطفال، أو من تسميهم «البراعم» و«الأشبال»؟
أين دور «المسجد» و«الكنيسة» فى الاهتمام بالأطفال وتنشئتهم تنشئة صحيحة؟
وهل تكفى وزارة «السكان» للإشراف على هذا الملف؟
وهل توجد رؤية «حقيقية» لما يمكن أن تفعله الدولة مع «الأطفال»؟
هل تعلم أن فى مصر مركزاً لدراسات الطفولة تابعاً لجامعة عين شمس رسائله وأبحاثه فى الأدراج؟ ولجنة خاصة بثقافة الطفل فى المجلس الأعلى للثقافة؟ هل تعرف لهما فائدة حقيقية، وهل فكرت الدولة فى تفعيلهما؟
دعك الآن من كل هذا..
فى العفو الرئاسى عن المحكوم عليهم قبل نحو شهر، أول خمسة أسماء تم الإعفاء عنهم «جنح أطفال»، فهل تتولى أى جهة فى مصر مسئولية رقابة ومتابعة، بل والإفراج، ثم التأهيل للأطفال المحبوسين؟
أطفال الشوارع وعمالة الأطفال.. مَن المسئول عنهما؟ وكيف تحوّلا إلى صداع مزمن حقيقى فى رأس الدولة؟ ومَن سيقوم بتأهيل هؤلاء الأطفال وحمايتهم؟
مَن سيطور التعليم ما قبل الابتدائى ليستعيد سمعة «الطفل المصرى أذكى طفل فى العالم»، ومَن سيحافظ على هذا الطفل فى المدرسة حتى يظل ذكياً، ولا يرتبط تفوقه بسفره خارج البلاد؟
الأسئلة كثيرة وموجودة ومشروعة ومهمة فى هذا الملف المنسى، وقد يكون الحل فى وزارة لشئون الطفل، لكن وزارة حقيقية برؤية ومهام ومسئولية وإمكانيات، وإلا ستتحول إلى فوتوشوب، أو أسماء رنانة لا قيمة لها، مثل الأسماء السابقة.
ألا هل بلغت، اللهم فاشهد!