هاتفنى صديق معلقا على مقالى السابق الذى عنونته (السيسى لايملك عصا موسي)، وبعدما ابلغنى بتأييده لما جاء فى المقال، راح يعيد التساؤل من جديد، لماذا نصر على ان نحمل رئيس الدولة مايفوق طاقة احتمال البشر، لماذا نتركه يغرد وحده بعيدا عن سربنا الذى أدمن الدوران فى ذات الفضاء دون ان يتقدم خطوة الى الامام ، بل وربما يدور الى الخلف؟، وعدد الصديق اسئلته التى دارت فى ذات الفلك، كان حديثه يقطر بالاسى ، وبدا من صوته انه يشعر بخيبة أمل، لكنه سرعان مااستدرك قائلا: لن نيأس، وسنستمد من حماس رئيسنا الذى اخترناه بإرادتنا الحرة مايدفعنا لتخطى العقبات وفى ختام حوارنا فاجأنى الصديق الذى يعمل طبيبا بأن ازمتنا هذه الايام ان كثيرين فقدوا الحياء ، ولو انهم مافقدوه لكانت تصرفاتهم غير تلك التى يقومون بها.
، كان الحوار اثناء زيارة الرئيس السيسى لليابان ضمن جولته الآسيوية الاخيرة ، وكانت الاخبار التى تصل الينا عبر الرسائل الصحفية والاذاعية تحمل اخبارا سارة ، وكانت الحفاوة بالرئيس مصدر فخر لدى كل الوطنيين، الذين تابعوا رئيسهم وهو يصل الليل بالنهار فى الاجتماعات والمناقشات واللقاءات، يبدأ يومه من الصباح الباكر ويظل طيلة الوقت يقدح زناد فكره من أجل تحقيق اهدافه التى يسعى من اجلها للنهوض بالاقتصاد من كبوته، وبينما كانت هذا حال رئيس الدولة هناك على بعدآلاف الكيلو مترات، كانت القنوات الفضائية تشغل الناس باعتزال مطربة وتفتح شاشاتها لنقل تساؤلات المشاهدين عن اسباب الاعتزال، وكأن الدنيا ستقف لو انها اعتزلت!، ولم يقتصر الامر عند هذا الحد وانما امتد الى قضايا فرعية يمكن وصفها بالهزلية كونها تصرف اذهان الناس عن التفكير فى مستقبلهم، ومحاولة ايجاد حلول لمشاكلهم بدلا من التفرغ لوضع العقبات امام المجتهدين وتركهم يصارعون وحدهم امواجها، ولان المصائب لاتأتى فرادى ، لم يتوقف الامر عند تلك المطربة التى شغلت الناس بقرارها الاعتزال ثم سرعان ماتراجعت عنه مدعية انها نزلت على رغبة جمهور المستمعين ، فكانت القضية الثانية التى صبت الزيت على النار عندما تفرغت القنوات ومواقع التواصل الاجتماعى لمتابعة قضية ممثلة مغمورة وضباط كمين شرطة، وتبنت معظمها موقف الممثلة، ووجدها البعض من عشاق اشعال الحرائق فرصة ذهبية لـتأجيج الصراع مع الشرطة، وجددت إلقاء الضوء على ماكان من قضايا مشابهة، والغريب ان وسائل الاعلام ـ ولا اقول التواصل ـ اعتمدت فى تغطيتها للقضية على كلمات فنان كتبها على صفحته الخاصة وكأنها ادلة، وراحت تروج لكل ما دونه من آراء سلبية ضد الشرطة، والغريب ان احدا لم يتوقف لحظة ليسأل هذا الفنان سؤالا بسيطا: هل كنت موجودا فى موقع الحادث وشاهدت بأم عينيك مادار واستمعت اذناك لكلمات مرجعها من قاموس البذاءة ؟ وكيف كان رد فعلك بعدما استمعت فى اليوم التالى لنص الحوار الذى دار بين اطراف المشكلة.. ان ما اقدم عليه هذا الفنان يستوجب الاعتذار ان كان يتحلى بالشجاعة الادبية.. ثم نأتى إلى حوار شغل الناس تحدث فيه مدرب عن رئيس ناديه، وايا ماكان الخلاف أو الاتفاق مع احدهما، أو من منهما صاحب الحق فيما رواه المدرب من قصص عن تصرفات رئيس ناديه الإدارية، أو تلك التى سبق بها رئيس النادى المدرب من توجيه اتهامات لاتليق إلى مدربه وعدد من الشخصيات، وكنت اظن ان المدرب سيكتفى بالاعلان عن تقديمه بلاغا ضد رئيس النادى كما اعلن بالفعل فى البرنامج وانه لن يترك حقه وينتظره من القضاء، دون ان ينزلق لذات المستوى المرفوض فى لغة الحوار، والذى بات للاسف هو الاساس، وإلى جانب كل مافات كانت قضية نائب التطبيع وما تبعها من تصرفات بلغت الضرب بالحذاء تحت قبة البرلمان وعلى مرأى ومسمع من جميع النواب ،طاغية على الاحداث ولم يتوقف احد امام سلبية ماحدث رغم فداحة ما ارتكب نائب التطبيع، لكن الرسالة التى ينبغى ان يؤكد عليها دوما البرلمان ان القانون هو سيد الموقف بعيدا عن البحث عن زعامة أو اثارة مشاعر الجماهير، حتى معاقبة النائب الذى نخالفه التوجه ونرفض تصرفه جملة وتفصيلا كان فى عجلة من الأمر لاتليق بمن يشرعون للشعب، ومن عجب ان هذا المشهد تزامن مع ما تابعناه من مشهد حضارى لبرلمان اليابان وهو يستقبل رئيس مصر ويستمع لكلمته.. كل هذه الاحداث تؤكد اننا فى واد آخر غير الذى ينبغى ان تسير فيه الدولة، ويدفعنى للتساؤل: اين المسئولية الجماعية لحماية الوطن؟ هل تركناها على عاتق الرئيس وحده، لنتركه يسبح ضد التيار، ان المسئولية الاخلاقية تدعونا كل فى موقعه ان يلتفت إلى الوطن ويعلى من شأن مصالحه حتى وان كانت على حساب المصلحة الشخصية، فالوطن كالسفينة التى تمخر عباب بحر متلاطم الامواج، والربان مهما كانت براعته يحتاج للمؤازرة والمساندة والدعم المعنوى ليتمكن من قيادتها إلى بر الامان، فهل نستحى جميعا ونبدأ مرحلة العمل الجاد من أجل نهضة بلادنا ام سنواصل التفرغ لمتابعة القضايا الهزلية التى لاترتقى بالوطن ولا تدعم مساره وتعزز مكانته وتحقق الرفاه لشعبه.