فوجئت كما فوجئ غيري بإقالة الزند أمس، ليس لأنه لا يستحق الإقالة أو الاستقالة، ولكن لأن بيننا وبين الحكومة الجديدة أياما قليلة، وكنت متعجبا من لحظة تعيينه، وفعلا كلامه عن النبوة كان زلة لسان، غير جائزة بالطبع، وانفلات لسان، ولكن تأكيده علي حبس الصحفيين ويقينه بالحكم وأنه بعد صدور الحكم سيعفو عن البعض، ربما يقصد رؤساء التحرير أو مسؤولي القنوات التي هاجمته وسيكتفي بسجن الصحفيين الذين تناولوا أهل بيته، كما يدَّعي، أو على الأقل لم أقرأ أو أسمع.
كل ما قرأته وسمعته، كلام عن الذمة المالية، وبيع أراضٍ، وقطع أرض وأمور من هذا القبيل، وإصراره على حبس الصحفيين هو انتهاك واضح للدستور، وحديثه باليقين عن حدوث الحكم، يضع العدالة في خطر، وتصريحاته السابقة، من أمثال لن يشفي قلبي إلا لما أقتل بكل شهيد عشرة آلاف من الإخوان وأشياعهم وأنصارهم ومواليهم، وأن الحكم يجب أن يطال والدي الإرهابيين عشان معرفوش يربوا عيالهم، ناهيك بكلامه المستفز من أن المصري يستطيع أن يعيش بـ2 جنيه في اليوم، تلك التصريحات لا تصلح أن تخرج من وزير مسؤول عن العدالة في دولة محترمة، وقد كان ثغرة أُتِينا من قبلها من المجتمع الدولي، في ظل وجود كثير من المتربصين، ولا أعرف سر التباطؤ الذي ينتابنا، فكثيرًا ما نتباطأ في أمور لا تستحق التباطؤ في تشكيل كل الحكومات السابقة بعد الثلاثين من يونيو، حتى تعيين اللجنة العامة للانتخابات جلست الصحافة تصرخ أسابيع حتى تم تشكيلها، الآن الدستور يجبرنا أن تعرض الموازنة على البرلمان في هذا الشهر، والموازنة تقدمها الحكومة، وكيف ستتقدم بها الدولة والحكومة لا تعرف من سيستمر ومن سيكمل، وإذا تغير وزير من المجموعة الاقتصادية كيف سيناقش ميزانية لم يطلع عليها ولم يشرف على إخراجها، وكيف ستتقدم الحكومة ببرنامجها ووزرائها وبعضهم لم يجلس على كرسيه بعدُ، فَلِمَ التباطؤ؟!
كان يجب حسم أمر الوزارة من وقت سابق عن هذا بكثير، أم أن البرامج مطلوب من الوزراء قراءتها فقط لا إنتاجها وإخراجها للنور، لأن الوزير كيف سينفذ برنامجا لم يشرف عليه ولم يخرج بإرادته.
أمور كلها غير مفهومة وبخاصة أن الحديث عن تعديل وزاري مرتقب كبير، وإن كنت أرى ويرى غيري أن التعديل غير كافٍ، ويجب تغيير شريف إسماعيل ذاته، فقد كان هذا رأي سمير غطاس، عضو مجلس النواب، وهو محسوب على الموالاة لا المعارضة، وخاصة أن شريف إسماعيل أداؤه باهت، وبطيء، ورخو، ونحن مقدمون على أيام عاصفة، تحتاج إلى سرعة الحركة، وسرعة البديهة، والتواصل الجيد مع الإعلام والقدرة على مواجهة الرأي العام ومخاطبته وإقناعه، فنحن في حاجة إلى سياسي محترف، وخطيب بارع، ومناور حذق، وكلها صفات لا تتوفر في شريف إسماعيل.
المظاهرات الاجتماعية بدأت وتيرتها تتزايد، وستتزايد بالتالي في الأيام القادمة، النقابات المستقلة وطائفة من الهيئات والمؤسسات الحكومية تنتوي التظاهر والتصعيد ابتداءً من 20 مارس بسبب قانون الخدمة المدنية الذي ما زالت لائحته المالية الجائرة مطبقة رغم رفض القانون، ضاربين عرض الحائط بالبرلمان والقانون والمواطنين وبالتالي فالغاضبون من القانون، من سيناقشهم ويحاورهم ويقنعهم والحكومة لم يحسم أمرها بعد؟! ولا يستطيع شريف إسماعيل مناقشتهم وإقناعهم، هل سنترك أمرهم للأمن الوطني ؟ إنتو حرين، لو فعلتم ذلك فأنتم تسارعون بخطوات الانزلاق، فالانزلاق يحدث لأسباب كثيرة ولكن تسارع الانزلاق أمر آخر، وطبقا للدستور فتغيير الحكومة الآن سهل، بعد ذلك سيكون سحب ثقة وهذا أمر معقد، ويعرض المسار السياسي للاهتزاز، وهو فيه ما يكفيه من التفكك، فقبل أن ندخل إلى النفق المسدود، يجب الاحتراس، ولا أعرف لماذا لا يناقش الرئيس مع الأحزاب القوية في هذا البرلمان أمر الحكومة، المصريين الأحرار والوفد ومستقبل وطن؟
ولماذا لا يشارك كل حزب بوزير، ويشاركون في اختيار رئيس الوزراء، حتى يكون البرلمان شايل الشيلة مع الرئيس، فالبرلمان بالطبع لازم يعتمد الحكومة ويوافق عليها، ولكن تهديد الرئيس كان واضحا، أنه يعلم الحكومة أكثر منا، وقال رفض الحكومة خطير، والكل يعلم طبقا للدستور أن رفض الحكومة سيؤدي بكل تأكيد إلى حل البرلمان في النهاية، وقد أعرب المعارضون قبل الموالاة، أنهم مجبرون على اعتماد الحكومة والموافقة على برنامجها أيًّا كانت، ففكرة موافقة البرلمان تلك تعتبر في تلك المرحلة أمرا شكليا.
أما الموضوعي فهو أن تخرج الحكومة بالتوافق، حتى لا يحمل الرئيس أخطاء الحكومة وحده، وخاصة أننا في مرحلة صعبة، وأي حكومة مهما كانت سترتكب أخطاء، ومشكلات الوزارات كبيرة، وأي وزير أيًّا كان لن يُرضي الطموح المأمول، لدى المواطنين ولدى النواب، ونحن مقبلون على حالة تشاحن مقبلة بين النواب والوزراء، ستكون بسبب أمور خفية، طلبات للدوائر لم توقع، فيفرغ النواب غضبهم في المجلس في صورة أسئلة واستجوابات وطلبات إحاطة، لا أعرف لماذا لا يتم التشاور بين السلطة التنفيذية في صورتها الأهم وهي رئيس الجمهورية وممثلي الأحزاب على الأقل في البرلمان، في لقاء ودي عن هموم الوطن وتحدياته، ويسمع منهم ويسمعون منه، وربما يسرّ إليهم بما يحدث خلف الكواليس من أسرار، أم أنه لا يثق بهم وعارف إن ما تتبلش في بقهم فولة، ربما يكون هذا ممكنا، ولكن على الأقل يصرح بما يمكن التصريح به من مشكلات داخلية وخارجية تعتري الوطن وتحيطه من كل جانب وواجب المرحلة، وتحدياتها وآلامها، فهم في النهاية لهم جرائدهم وقادرون على مخاطبة الرأي العام، وإقناعه بتحمل المسؤولية مع الحكومة، لأن الشاهد في الموقف أن الشارع في شبه استفتاء لم يتفاعل مع دعوة الرئيس للمساهمة بالتصبيح على مصر، فلم يستجب إلا مليون مواطن كما تقول المعلومات، ولم تكن استجابتهم مستمرة، فقد كان طلب الرئيس 10 ملايين لمدة سنة كاملة، فكانت النتيجة مليونا لمدة يوم واحد أو أيام قليلة لاحقة لبعضهم، مما يعني أن الرسالة المباشرة بين الرئيس والشعب لم تصل، ولذلك فالوسطاء أصبحوا ضروريين لإيصال الرسائل.
الخدعة التي قالها البعض بأن الرئيس والشعب لا يحتاجان إلى وسطاء بينهما، سقطت مع مشروع التصبيح على مصر، فالرئيس يحتاج إلى وسطاء، سياسيين وصحفيين وإعلاميين ومجتمع مدني وخلافه. على النظام أن يعيد حساباته.
السياسة في النهاية تجارب، وما زالت الحلول ممكنة، وما زالت الآمال حاضرة.