المساء
محمد جبريل
ع البحري- توقيعات كاذبة !
إذا كنت قد قرأت رواية "الأرض" لعبد الرحمن الشرقاوي. أو شاهدت الفيلم المأخوذ عنها. فلابد انه قد استوقفك مشهد العريضة التي كتبها المدرس محمد أفندي "أدي دوره - باقتدار - الفنان الراحل حمدي أحمد". ووقع أهل القرية عليها لرفعها إلي مقام وزير الداخلية. كي ينقذ القرية من الطريق الذي يستهدف تحويل مياه الترعة الي أرض البك الإقطاعي. فتعاني أرضهم العطش. ولابد. بالطبع. ان تذكر الأغنية الحزينة التي انتهي بها الفيلم. والهجانة يسحلون العالمي محمود المليجي. واصابعه متقلصة علي طين الأرض.
أتيح لي - في منتصف السبعينيات - أن أشاهد - علي الطبيعة - ظاهرة جمع التوقيعات علي الشكاوي والعرائض بصورة تختلف عن الصورة التي تطالعنا في أرض الشرقاوي. العشرات من أبناء القرية. أعمارهم بين الطفولة والشيخوخة. يقفون علي أبواب المسجد الجامع. وبأيديهم عرائض الشكاوي التي تطلب توقيعات ناس القرية. من العيب ان تناقش فحوي العريضة. فهي شكوي من الشخص الذي وقع علي شكواك في مرة سابقة. إذا ترددت فأنت تعاني فقدان ثقة. ومن حق صاحب الشكوي ان يبادلك المشاعر نفسها. تصرف يأخذ شكل الظاهرة! بعد كل صلاة جمعة. يتناثر في الساحة. أمام الجامع. من يحملون العرائض بأيديهم. يدفعون بها إليك كي توقع دون نقاش. يرفضون مجرد النظرة المتشككة في عينيك. فأنت توقع مثلما وقعوا هم من قبل.
تلك الظاهرة القديمة تطالعنا - للأسف - في الفترة الأخيرة. عشرات العرائض. المذكرات. البيانات. سمها ما شئت. من يوقعون عليها لا يتغيرون في الأغلب. بل إن بعضهم أعطي تفويضاً بكتابة اسمه. ومحاكاة توقيعه في كل ما يصدر من عرائض. وتعدد التوقيعات في أوراق تدين. وتتهم. وتذكر وقائع صحيحة. وأخري يعوزها الصدق.
التصرف خطير. لأنه يصدر عن مثقفين. من واجبهم ان يقرءوا. ويتأملوا. فلا يضعون إلا علي ما يقتنعون بصحته. أما مجرد التوقيع بالمجاملة. أو بالتفويض المطلق. أو عدم التثبت. فهو ما قد يسيء إلي شخصيات لها احترامها. وأفعالها الايجابية لصالح هذا الوطن.
قد يرفض المسئول طلباً لأحد معاونيه. يأخذ المعاون - في المحطة التالية - موقف الخصومة المعلنة. أو المستترة. كتابة المذكرات هي أخطر ما في الظاهرة. لأن التوقيعات لمثقفين. من المفروض انهم وقعوا عن وعي وفهم وإدراك للمسئولية.. لكن ما يحدث - للأسف - ينتسب إلي المجاملة أحياناً. ومجرد الإحساس بموقف الرفض أحياناً أخري. واستجلاباً للشهرة أحياناً ثالثة. ويدفع الثمن - في كل الأحيان - من تؤذيهم الاتهامات الباطلة. والشريرة.
أوجب ما يلزمنا به احترام الذات. ان تصدر آراؤنا عن قناعة. فلا نضع توقيعاتنا إلا علي ما يعبر عن هذه القناعة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف