الأهرام
عزت السعدنى
الهمج.. قادمون..!
ونحن نعيش فى مصر صحوة حضارية اسمها مؤتمر الاقتصاد العالمى فى شرم الشيخ الذى يجتمع فيه القادة وكل خبراء الاقتصاد فى العالم كله.
رحت أقلب ملف مواجعي ومواجع بلدي .. وكل بلاد العرب.. وما أكثرها عبر الأزمات والأسفار والأسحار.. ونحن نعيش الآن بالأسي كله عصر »الهمج« الذين يدمرون الآن حضارة بابل وآشور وهم قوم خرجوا من قمقم الجاهلية الأولي.. ومن جراب ساحر قبيح الطوية خبيث المقصد زنيم الطوايا.. أتباعه »غرابيب« سود الوجه والقلب والنوايا.. يحملون الرايات السود.. لون قلوبهم وافك عقولهم.. يرتدون عباءة الإسلام.. وماهم بمسلمين وماهم بموحدين.. فالقتلة لا يعرفون إسلاما.. والذين يتحدثون بالسيف والصدر وذبح الخصوم كما الضحية في الأعياد.. خرجوا من تحت عباءة الشيطان ليصنعوا من قصائد السلام والحق والصدق والخير والفضيلة قصائد دم وقتل وذبح وغل دفين.. والادهي والأمر انهم يلوون ذراع الإسلام ويكذبون علي رسوله وائمته وشيوخه الصالحين ويزعمون في بجاحة وتبجح أن الإسلام بالسيف نزل.. ولهذا يحملون السيف وحده ونسوا أن الإسلام هو دين الحق والعدل والسلام لكل بني البشر حتي من يدينون بدين نزل كتابه قبل القرآن.. فهو حق وصدق و مطاع في كل البقاع وفي كل الأديان والاسفار.



ما أعنيه وما اعنيهم.. وما أقصده وما اقصدهم.. انتم قد عرفتونهم من مسلسل جرائمهم الذي لا ينتهي.. وآخر جرائمهم ذبح حضارة بابل وآشور.. همج هذا العصر أو قل رعاة البقر في الغرب الأمريكي أو قل الغزاة السكسون الذين نزلوا بالقارة الأمريكية فأبادوا في حملة منظمة.. كل سكانها الأوائل من الهنود الحمر كما اطلقوا عليهم ما هم بهنود وما هم بحمر .. حتي أصبحت أمريكا ملكا لهم حلالا زلالا بلالا.. للإنجليز السكسون الذين احتلوا أمريكا والذين أصبح اسمهم »الأمريكان«.. سادة العالم الحاكم الآمر والناهي الآن.. للكرة الأرضية كلها بسكانها رجالها .. بنباتها بشجرها بعصافيرها.. ومن عنده اعتراض .. فليتفضل..

حتي كتابة هذه السطور لم يتقدم أحد.. ويقينا لن يتقدم..

..........

..........

همج هذا العصر ايها السادة .. أصحابه دون منازع هم قبيلة داعش وجدها الأكبر كان بالقطع ـ حتي لو انكروا ـ هو أبولهب.. وابن عمه أبوجهل من عبدة اللات والعزة وكبيرهم «هوبل».. وما ادراك ما هوبل!

وهذا الهوبل الذي أوحي وأوعز إلي قبيلة داعش من بقايا الجاهلية الأولي.. المتخلفة عقليا ودينيا بهذا الإفك العظيم.. وقال لهم كبيرهم الخليفة البغدادي.. بعد أن وضع في ايديهم المعاول. وفي جيوبهم دولارات بلا عدد.. وفوق اعينهم غمامات أبقار السواقي التي تنعي وتعدد علي »اللي راح واللي جاي«.. ليحطموا اجمل ما ابدع الإنسان.. وأجمل وأعظم ما بني وشيد وعمر وصور ورسم ونحت في نسيج عبقري اسمه حضارة ما بين الرافدين آشور وبابل.. في صورة معابد وقصور وتماثيل تحدثك وتحدثها تناجيها وتناجيك.. لا ينقصها إلا أن تقول لها: استيقظي يا صبيه.. فتصحو من سبات قرون بلا عدد!

الكاميرات تصور.. والفضائيات في طول الأرض وعرضها.. تعرض وتذيع لحظة بلحظة

وأنا جالس أقلب مواجعي ومواجع العرب اجمعين في هذه الحملة الشرسة الممنهجة التي لا ترحم لمسح هويتهم وطمس حضارتهم.. وما يملكون الآن مما يمكن عبر زمان طال واستطال وجاوز الـ50 قرنا من عمر الإنسانية كلها.

وتسألون وهذا حقكم: لماذا يفعلون بالعرب ذلك الهوان كله؟

لماذا يمحون تاريخهم وأدابهم وحضارتهم؟

والجواب: لكي يصبح العرب.. بلا جذور بلا تاريخ.. بلا شخصية بلا أصل.. ليسهل عليهم ابادتهم ومطاردتهم حضاريا وفكريا حتي يرفعوا راية داعش السوداء في آخر الزمان.. ياللهوان.. اسمعكم ترددون وهل هناك هوان أكثر من أن يصحو الإنسان العربي في الصباح ليجد في بطاقته الشخصية عبارة: بلا حضارة!

ولا يبقي امامهم إلا الشتات فكريا وحضاريا وتاريخيا.

تصوروا معي أمة بلا تاريخ.. هكذا تريد داعش للعرب الآن.. حتي يسهل الامساك بهم كما يمسكون النعاج في سوق التلات في القري والنجوع بيتك بيتك.. ثم تطفأ الأنوار وينتشر الظلام!

ليأخذنا العالم تحري .. كما يفعل المخبرون آخر الليل مع المتسكعين والمتشردين وابناء الليل وبناته!

..........

..........

هذه وتلك وهاذي واللاتي ليست كلها مواجعي وحدي.. ولكنها مواجع العرب أجمعين.. وكل ناطق بلسان عربي وحافظ لكتاب الله المبين.. أن تصبح أمة بلا هوية .. وبلا تاريخ.. ليسهل جمعنا وادخالنا القفص «بيتك بيتك» ليسهل ذبحنا والتهامنا.. كما حدث في سايكس بيكو التي جري فيها تقسيم العالم العربي.. بين الكبار.. ويحدث الآن في بلدان الربيع العربي.. التي لم يبق منها إلا الاسم واللافتة.. ويريدون لها الآن أن يصبح أمة بلا هوية.. وبلادا بلا تاريخ وخلقا بلا شخصية بلا تراث.. بلا حضارة!

وانصبوا سرادقات الأحزان في الدور والصدور!

وقد تسألون: وماذا فعلت قبيلة الظلام التي اسمها داعش بعقل العرب وفكر العرب وقلب العرب وتاريخ العرب؟

الجواب ببساطة: لمحو الماضي كما يحاولون أن يمحو تاريخ العرب كلهم.. أجدادهم.. النور في بلاد ما بين النهرين وبلاد فارس وبابل وآشور التي لحقت حضارتها حضارة مصر.. ليسيروا جنبا إلي جنب.. لتتفوق حضارة مصر.. فكرا وفنا وقانونا وفلسفة وبناء وجمالا.. لكن ذلك كله لم يحجب يوما نور حضارة بابل وجمال وصدق حضارة آشور فيما يطلق عليهم المؤرخون وكتاب التاريخ حضارة ما بين النهرين..

حضارة ما بين النهرين هذه أصبحت تحت قبضة زبانية جهنم من همج هذا العصر التي تحمل راية داعش واخواتها القتلة المخربين المجرمين ويحيا الدولار.. وتحيا أمريكا!

..........

..........

بالقلم والورقة قل لنا: ماذا فعلت جماعة الإفك والضلالة .. همج هذا العصر.. بحضارة ملأت الدنيا نورا وجمالا اسمها حضارة ما بين النهرين؟

وأقول: احبسوا انفاسكم.. إليكم الكارثة الحضارية بالقلم والورقة.. كما رصدتها صحيفة الاندبندانت البريطانية التي قالت بالحرف الواحد:

> في سوريا تم تدمير آثار مدينة تدمر عن بكرة أبيها.. يعني بالكامل وقد زرت مدينة تدمر هذه في أوائل التسعينيات وامضيت يومين داخلها واقمت ليلة داخل فندقها الجميل مع الزميل العزيز محمد العتر فقد كنت في مهمة صحفية خاصة للأهرام لكتابة كتاب في »باسل الأسد« ابن الرئيس الراحل حافظ الأسد وشقيق بشار الأسد الرئيس السوري الحالي.. الذي مات في حادثة سيارة ـ باسل وليس بشار ـ وقد استقبلني في بيته الرئيس السوري حافظ الأسد أيامها.. وكان لي معه حديث طويل لم ينشر لأسباب ليس هذا وقت فتح ملفها!..

وكانت مدينة تدمر تضم المعبد والاعمدة الرخامية والتماثيل البالغة الروعة وقد جلسنا في قصور «الزباء» ملكة تدمر وهذا هو اسمها.. التي ارسلت أيام حكمها حملة عسكرية تدمرية إلي مصر.. ونجحت في دخول مدينة منف العاصمة المصرية أيامها.. ولكن سرعان ما عادت الحملة إلي تدمر لصد حملات الحيثيين علي ما اتذكر!

وقد أعلنت هيئة اليونسكو تدمير آثار المدينة بالكامل. وتم ابلاغ مجلس الأمن لعقد جلسة طارئة لكي يتحرك العالم لإنقاذ آثار سوريا والعراق من التدمير الشامل.. وسرقة القطع التي لا تقدر بثمن والتي يجري الآن تهريبها إلي أوروبا عبر لبنان وتركيا ودول الخليج.. ومنها إلي أوروبا كما تقول الاندبندانت!

> كما ان تهريب الآثار من تدمر وقلعة الحصن وسائر المناطق وبيعها بمبالغ خرافية تدخل خزينة داعش لسفك دماء العرب وتدمير حضارتهم.. لكي يصبحوا بلا هوية.. كما الخيول البرية وليس هذا كلامي!

> تدمير قصر هرقلة الآشوري في محافظة الرقة والذي لا يوجد مثله في البلاد.. وهي جريمة كبري كما أعلنت هيئة اليونسكو!

> القصور التي بناها الملك: »إددنيراري« الأول في مطلع القرن الثالث عشر قبل الميلاد يعني 1300 سنة قبل الميلاد يعني عمره يقارب الآن 3315 سنة ـ يا خبر ـ

> تماثيل النور المجنح في متحف الموصل الذي دمرته داعش بالكامل.. بعد أن نقلت خلسة اهم ما فيه وتبيعه الآن في أسواق أوروبا عبر تركيا!

> متحف اربيل في شمال العراق يقع تحت سيطرة داعش بالكامل ويضم 3500 قطعة أثرية لا تقدر بثمن + آلاف القطع الذهبية وتماثيل من العصر الاشوري والبابلي أصبحت الآن في عصمة عصابة داعش!

> تمثال بوذا النادر والوحيد من نوعه وكلنا يعرف أن طالبان قد فجرت من قبل تمثالين عملاقين لبوذا..

وذهب أيامها مفتي الديار المصرية إلي أفغانستان في محاولة لمنع هدم التمثالين.. ولكن طالبان فجرتها بالديناميت!

> الغريب حقا أن قانون الآثار في العراق رقم 25 لسنة 2002 يقضي بإعدام كل من سرق الآثار.. واليوم من يعدم مين؟

ولقد زرت حدائق بابل المعلقة التي شيدها بنوخد نصر الذي سبي اليهود واسر الآلاف منهم وحملهم معه إلي بلاده في عام 586 قبل الميلاد يعني منذ 2601 سنة كما دمر هيكل سيدنا سليمان عليه السلام الذي يزعم اليهود اليوم أنه مازال قابعا تحت المسجد الأقصي الذي بارك الله حوله في القدس حتي جاء قورش ملك الفرس ليغزو بابل.. ويطلق سراح اليهود الذين ظلوا نصف قرن في الأسر البابلي.. وهي قصة سجلها الكتاب المقدس في الجزء الأول منه الذي يحمل اسفار توراة موسي!

..........

..........

فرق كبير بين مايصنعونه هناك وما نصنعه نحن هنا.. هنا عمار.. وهناك دمار.. وخراب!

ولعل أغرب ما في كابوس داعش هذا.. أن حامورابى العظيم أعظم من جلس علي كرسي عرش حضارة ما بين النهرين أنه قال يوما وهو جالس في حديقة قصره.. وقدماه فى مياه نهر دجلة: الهمج قادمون قادمون سيدمرو كل شيء لا أعرف متي.. ولكنهم قادمون!

ترى هل كان حامورابى العظيم الذي حكم بابل 42 سنة يعرف حقا قبل نحو 3700 سنة.. انه كان يعني داعش بالذات.. عندما قال: الهمج قادمون.. من عنده الجواب فليتفضل{!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف