الأهرام
أنور عبد اللطيف
الدين .. والأفيون و الينسون
جملة واحدة تلخص السر الذى أطاح بالدكتور توفيق عكاشة خارج البرلمان وبالمستشار أحمد الزند من الوزارة، الجملة هى «لادين فى الينسون.. ولا ينسون فى الدين».

وقبل أن اشرح علاقة الينسون بالدين سأحكى لك هذه الحكاية، فقد ذهب أحد الشباب لخطبة فتاة على درجة عالية من الحسن والأخلاق ومن أسرة متمسكة محافظة، وعندما سألوا العريس المنتظر عما يحب ان يشربه بهذه المناسبة السعيدة، قال لهم: بإذن الله أريد قدحا من الينسون، وبينما همس الأب : ماشاء الله، انتفضت العروس من مقعدها ونفضت خجلها وأمرت على الفور بإنهاء هذه الجلسة، وأن هذه الجوازة لا يمكن أن تتم .

وفى اليوم التالى هرع الفتى إلى الجامعة التى تدرس فيها فتاة أحلامه فلم تنتظر اعتذاره بل اتهمته بأنه منافق ومخادع فهى تعرف أنه من شاربى النسكافيه والكابتشينو واعتاد ارتياد الأمريكين لاحتساء الايس كريم، فكيف يطلب هذا المشروب «البلدى» الغريب؟ اعتذر الفتى على غلطته التى قصد من ورائها أن يبدو أمام أسرتها محافظا ومتدينا !

وهذه الحكاية أوردها الزميل محمد شمروخ فى كتابه «الدين والينسون» الذى يتناول قضايا خطيرة بأسلوب ساخر وممتع، ويكشف فيه هذه العلاقة الملتبسة بين جوهر الدين وممارساتنا الخاطئة، بفعل بعض الجماعات السلفية ـ وبتشجيع ثابت من الغرب ـ تشوه بشكليات وملصقات وبدع فى الألفاظ والتعبيرات والملبس كإخفاء المرأة خلف النقاب، هذه الشكليات يرمز لها الزميل شمروخ بـ«الينسون».. حدثت مثلها فى الصين العظمى منذ قرون وتم الخلط المتعمد بين القيم الصينية الأصيلة والأفيون. فدعم الغرب زراعته والتجارة فيه واعتبروا تعاطيه نوع من الوجاهة الإجتماعية!

لكن الصينيين اكتشفوا «الملعوب» مبكرا، لذلك سبقونا، وتقدمت دولتهم وتغلبت على كل مؤامرات الاستعمار وصارت قوة نووية وعلى بعد خطوة من منصة التتويج بلقب الاقتصاد الأول فى العالم، أما نحن فقد سبقنا الصين بسنين فى اكتشاف «الملعوب» من أيام الطهطاوى وأحمد عرابى، الفارق الوحيد أن الصينيين عندما اكتشفوا سر تخلفهم حددوا كيف يشقون طريقهم بقليل من الطبطبة وكثير من الردع بقوة القانون، أما نحن عندما اكتشفناه طبطبنا وكسلنا وأغمى علينا ونحن مفتوحى الأعين، وصار حالنا كل ليلة بالضبط مثل الصورة الموضوعة فى مدخل كل متحف صينى!

الصورة شاهدتها 16 مرة فى ألبوم الزميل سامى القمحاوى العائد توا من بلاد «التنين الاصفر» بعد أن زار 16 متحفا وطنيا وهى صورة لأسرة غنية من القرن الماضى، الرجل مفتوح العينين ومغمى عليه وهو يمسك بماسورة استنشاق الأفيون والابن لم يحتمل الثبات فى غيبوبة فسقط رأسه على صدره وتدلى صدره ورأسه من فوق الكنبة، وحولهما أطفال مكومون كالزهور الزابلة بأذرع مدلاة بين التناحة والغيبوبة، وتحت هذه اللوحة مكتوب : هذه حياتنا قبل أن نفيق !

وهذا التعليق ـ الذى ترجمه لى سامى القمحاوى ـ يرتبط بسياسات الاستعمار التى تحمل عندنا الآن عناوين مثل المؤامرة أو الجيل الثانى أو الثالث والخامس من الحروب ، وقبل أن يكتشف الصينيون «الملعوب» ويشاركوا فى فضحه أمام كل المتاحف، أصدروا قوانين تقضى بإعدام كل من يتاجر فى المخدرات أو يزرعها، وكل من يعتدى على حق الآخر فى الحياة الصحية، سواء كان الآخر فرد أو مجتمع أو دولة، باختصار ـ لاتحشيش ولا تحسيس ـ فى سبيل القضاء على «التحشيش» خاضوا حروبا طويلة سميت بحروب الأفيون فى مواجهة عصابات تعمل لحساب المستعمر الغربى، وصار الاقتصاد القائم على زراعة الأفيون رقم واحد فى الصين، وارتبط ثراء وغنى الأسر بحجم ما تملك من تجارة وصناعة الأفيون ويرتبط بها مباشرة أمراض السل والالتهاب الرئوى والتبلد الذهنى وتصلب الشريين والسرطانات بكل أنواعها، وهذه الحالة تجسدها اللوحات التى تتصدر واجهات المتاحف فى الصين، فوظيفة المتاحف ليس جلب الأموال والتجارة والربح لكن إبلاغ روادها من طلاب المدارس والجامعات والأجيال الجديدة والأجانب رسالتين: الأولى، كيف كانت حضارة الصين فى عصورها الزاهرة، وكيف شيدوا المعابد والقصور والجسور وحققوا الإنتصارات وبنوا الامبراطورية، وكيف انصهر الصينيون من 500 ملة ولغة ودين وطائفة تحت هدف واحد وعلم واحد، أما الرسالة الثانية، فتحفظها وتنقلها الصور والتماثيل التى تتصدر المتاحف والحدائق عن ملايين الجثث والجماجم والضحايا التى فقدها الشعب الصينى فى حروب هذه الملل والنحل مع بعضها أولا فى فترات الغيبوبة والسكر والبلهنية الحضارية، وفى حروب الأفيون مع الاستعمار والتى قامت الثورة الصينية من أجل ألا يكون الشعب الصينى ـ كما توضح الصور ـ بهذه الحالة المزرية!

وهكذا، بينما كان الصينيون مليون ملة ودين وطائفة ولا دينييون يوحدهم تجارة الأفيون، فانتصروا واستحقوا لقب التنين الأصفر، أما نحن فرغم أننا أصحاب دين واحد تقريبا، فتراجعنا وتفرق ديننا بين القبائل..

وعودة إلى «الدكتور» و«المستشار».. فكلاهما كان له علاقة بهامش الدين أو بالينسون، فالأول: قرر فى حركة «أكشن» أن يهد معبد الينسون على رأسه، وبعد أن كان يخدعنا باتهام اليهود بأنهم «أس البلاء» على الإسلام المسلمين ذهب ليطبع مع السفير الإسرائيلى، أما حادثة «المستشار» ـ ونحن الآن فى بؤرة أصدائها ـ فى لحظة انفعال وغرور السلطة نسى أنه حارس العدالة، وأن الله نفسه غفور رحيم، فتحمس لحبس الصحفيين رغم أن الدولة استأمنته على ملف الإعلام بما فيه من تشريعات تضمن حرية الرأى، ولم يتعظ من مصير سلفه الذى ضاع بسبب إهانته لـ «الزبالين» فقادته زلة لسانه إلى ..... استغفر الله العظيم !!!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف