لا يراهن أى من مستهدفى هذا الوطن على خلل فى أداء الرئيس، فجميعهم يوقن أنه يمتلك من ثقة الشعب ما يحصنه من الاستهداف، لكن الرهان الرئيسى فى معركة إسقاط الدولة على «أدوات النظام»، أو بمعنى أدق النسيج الإدارى للدولة على كل المستويات وفى شتى المجالات. ذلك الذى أثبت عبر عقود عدة مرت أنه قادر على تطوير أدوات الفساد، وخنق كل طاقات الإبداع، حتى بات الجمود لوائحه، والإهدار قواعده واللامبالاة عقيدته، إنه النسيج الإدارى الذى جاء نتاج منظومات فساد وإفساد أبدعت معه القريحة المصرية الساكنة حتى صار نمط حياة سائدا.
هذا النسيج الإدارى يرى فيه التنظيم الإخوانى وقياداته أنه كان السبب الرئيسى فى إسقاط حكم مندوبهم «محمد مرسي»، و هو الذى كان مدعوماً بتنظيمه صاحب التحالفات والامتدادات القُطرية، والقواعد ذات التمددات الجغرافية، وبالتالى يصبح من السهل على المدى البعيد تحويل معركة التنظيم والدولة المصرية إلى لعبة عض على الأصابع تكون أنياب النسيج الإدارى للدولة المصرية هى أحد القواطع فى البدن المصري، حتى يئن منفجراً فى وجه من كلفه ليقود.
وحتى لا يصل الحال إلى هذه الوضعية الكارثية، يصبح من حق الشعب على الرئيس أن يعيد النظر فى أدوات الإدارة وشخوصها بما يتسق وحجم الاستهداف المحدق بالحمى والرعية، خاصة وأن ثغرات كثيرة تنتشر فى النسيج الإدارى من قمة رأسه وحتى أخمص قدميه. وهو ما ينعكس انفصالاً فى إيقاع حركة الرأس عن باقى أعضاء الدولة.
إن إصلاحاً جسوراً يدق باب المسئولية مطالباً إدراك اللحظة الوطنية الفارقة التى تحياها مصر وأهلها، بعدما طرحت أداءات الفترة الماضية ثمار الارتباك فى كل واد، وحصده الناس مراً يواجههم أينما اتجهوا، ويطاردهم كلما قلبوا فى قنوات التليفزيون. ارتباكاً مصنوعاً ومقصوداً فرضته آلة إعلامية بدأت صراخها بزعم أن الإقبال على الانتخابات الرئاسية ضعيف، وواصلت فرض الارتباك على المواطنين بقوة الشريك فى صناعة نظام روج لنجاحه الحتمى أصلاً! ولقد كان لكاتب هذه السطور فى حينها تصريح على إحدى الفضائيات يقول (رغم ما قيل عن ضعف الإقبال على الانتخابات الرئاسية، فعلى رئيس مصر القادم أن يعلم أنه غير مدين لأحد فى نجاحه إلا الشعب).
انتخب الشعب رئيساً ولم ينتخب أثرياء الفضائيات الذين على آهات وجعه ينوعون، وللسطحية يروجون، وللقبح يشيعون. كما لم ينتخب دعاة ولا علماء ليحصلوا على صكوك ملكية الأديان والتصريح باسم الله، وأيضاً لم ينتخب إدارة أمنية تغاضت عن علاج علل أصابت دوائرها حتى بات التهديد يأتيها من خارجها وينخر فى داخلها، وحتى قال رئيس الجمهورية لقادتها (قرأت استغاثة أب لمصاب من الشرطة .. ولا يصح أن ننتظر حتى يستغيث).
انتخب الشعب رئيساً لكنه لم ينتخب معه وزراء يرون مقعدهم وظيفة، ويؤمنون بأن رسالتهم هى العمل على تسكين السطح، ويقدمون أهل الثقة على أهل الكفاءة، إلى أن صارت الحكومة فى معزل عن مهددات الخارج، تنتظر مشروعاً متكرر الطرح من أعضاء فى الكونجرس الأمريكى بتجريم الإخوان، لتهلل له رغم رفضه، وتستهين بحركة التنظيم المدعومة دولياً لتشويه صورة الدولة المصرية حتى يصدمها بيان البرلمان الأوروبى الذى يهدد بقطع المعونات عن مصر.
وبالتأكيد لم ينتخب الشعب مع الرئيس أسياداً جددا، يخرجون فى صورة وزراء أو محافظين أو حتى نظار مدارس مستحضرين كل تراث المستبد الغشيم الذى ابتعثته الأقدار ليعلم الشعب قليل الأدب أصوله وآدابه. جالساً على كرسى الإدارة المنصوب على بركان من احتياجات الخلق، ومتحدثاً عن نعمة الاستقرار رغم أن براكين الجوع والأوجاع تزفر، ومتناسياً أن رب البرية حين عدد نعمه فى سورة «قريش» مذكرا عباده بها (أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف) قدم جل فى علاه نعمة العيش على الأمن، إنها رؤية الأمن القومى الشعبى التى لا تتحقق إلا عبر مندوب فى الإدارة يملك وعى المرحلة، وهى الرؤية التى غابت عن كل من لم ينتخبهم الشعب.
فمن يتخيل فى أسوأ كوابيسه أن تلك الجموع التى قدر خرجت فى 30 يونيو تنادى (مصر للمصريين)، يمكن أن تستيقظ على خبر لـ وزير سرَق، أو قانون سُلِق، أو مخزونٍ سُرِق. إنه الكابوس الذى يتحتم إيقاظ المصريين منه عبر المكلف بالقيادة «الرئيس» الذى منحه صاحب السيادة «الشعب» مقاليد الزعامة قبل أن يُوَليه.
إن الحلم المصرى فى وطن يرعى معقود بناصية المكلف بالإدارة -الرئيس-، وللحلم حقوق وبصرح الوطن شقوق، وكثيرة هى لافتات المظالم والحقوق، ومن ثم تصبح مهمة النسيج الإدارى أن يكون للرعاية بوق، حتى لا يقع فى جرم دفع الناس إلى العقوق الذى هو أكبر من جرم العقوق ذاته.
ومن تقوى الله فى ترجمة الحلم المصرى الدولة الراعية- أن ينفخ الرئيس من روح الثورتين (25 يناير 30 يونيو) فى البدن الإدارى للدولة الذى أثبتت الفرص السابقة أنه أوهن من أن يساير خطو الواقع، وأضعف عن أن يتكامل فى مواجهة التحديات، وأقصر نظراً من شمول المخططات. وإن كان من ضمن أعداء الدولة تنظيماً تسيره خطط دقيقة، فأنى للبدن الإدارى الحالى أن يواجه وكل ما يملكه من خطط هو الاستناد على شعبية الرئيس. إنهم الشركاء المتشاكسون وما أحوج الوطن إلى شركاء وأعين متفانين، وبالتأكيد لن تعدَمُهم مصر.