لا يمكننى كمصرى يقتنع تمامًا بالعلمانية وبضرورة فصل الدين عن الدولة وعدم استخدامه فى الصراعات السياسية بين الجماعات، أو فى الخصومات الشخصية بين الأفراد أن أوافق على معاقبة وزير العدل السابق المستشار أحمد الزند بقانون ازدراء الأديان، الذى كثيرا ما نادى المثقفون بعدم استخدامه ضدهم باعتباره واحدًا من ترسانة القوانين التى يسهل إساءة استخدامها بواسطة السلطة والتيارات الرجعية لتكميم أفواههم وتأديبهم وقت الحاجة.
وهناك الكثير من الأمثلة على ذلك تتعلق بأطروحات علمية، أو بنصوص أدبية، أو بأعمال فنية تمت إساءة تأويلها بقوانين الحسبة، التى تستند إلى اتهامات دينية مرسلة، وأشهرها قضية تفريق المرحوم الدكتور نصر حامد أبو زيد عن زوجته كعقاب له لرفض خصومه اجتهاداته العلمية حول تجديد الخطاب الدينى، وآخرها الحكم بحبس أطفال مسيحيين قاموا بتمثل كوميدى لجرائم ذبح البشر التى ترتكبها عصابات داعش ضد المسلمين والمسيحيين، والتى تمثل أكبر ازدراء للدين الإسلامى تمارسه تلك العصابات جهارًا نهارًا وتفتخر به فى تسجيلات تذيعها على الملأ!
أقول هذا رغم رفضى التام كثيرًا من قناعات المستشار أحمد الزند التى جهر بها للتعبير عن إهداره مبادئ دستورية راسخة مثل تكافؤ الفرص. سواء بأقواله المعلنة عن استحالة إيقاف ما أسماه بالزحف المقدس لتعيين أبناء القضاة فى النيابات، أو بتصريحاته المستفزة عن رغبته فى استصدار تشريعات لتقنين العقاب الجماعى، ليشمل آباء وأمهات الإرهابيين المدانين بأحكام قضائية! فى سابقة لا مثيل لها فى العصر الحديث تسقط مبدأ شخصية العقوبة الذى أجمعت عليه الدساتير فى كل بلدان العالم المتمدن. هذا بالإضافة إلى غيرهما من التجاوزات التى لا يمكن أن تنضبط بها موازين العدالة. خصوصًا عندما تصدر عن وزير للعدل. ملف المستشار أحمد الزند مفتوح أمام خصومه على مصراعيه إن أرادوا مقاضاته ولكن من الازدواجية غير المطمئنة على الإطلاق محاربتهم له بقانون يرفضون العمل به، ويسعون لإسقاطه كجزء من جهادهم للوصول إلى عدالة قانونية. استخدام دعاة الاستنارة قوانين يرفضون تطبيقها عليهم ومحاولة الاستفادة منها فى تصفية حساباتهم مع خصومهم يسقط حقهم الأخلاقى فى المطالبة بوقف العمل بها.
كلنا نذكر استخدام إسرائيل الأسلحة المحرمة دوليًّا فى حروبها معنا، ولا يمكن أن ننسى مذابحها، وقصفها المدنيين بالنابالم والقنابل العنقودية، أو نغفر لها قصف المدارس والمستشفيات لقتل الأطفال والجرحى، ولكننا يجب أيضًا أن نفخر دائمًا أمام أجيالنا الجديدة بأننا لم ننزلق طوال تاريخ صراعنا العسكرى النظامى مع العدو الصهيونى إلى التورط فى استخدام تلك الأسلحة المحرمة بالمثل، بدعوى أن الخصم يستخدمها.
أمامكم وزير العدل السابق فحاكموه على مجمل ما بدر منه فى حق العدالة، أو على ما يثبت عليه من تورط فى تربح ناتج عن إساءة استخدامه لمواقعه الوظيفية على اختلافها.
موافقتكم على محاكمة خصومكم بقوانين فضفاضة يساء استخدامها ضدكم يهدر حقكم فى المطالبة مستقبلاً بإسقاطها، ويهدر المبدأ الأخلاقى فى المطالبة بوقف استخدامها بطريقة تعسفية ضد خصوم الأنظمة المستبدة والتيارات الرجعية.
لا تحاكموا الرجل لازدراء الأديان.. بل لازدراء العدل.