سوف يكتب التاريخ أن المستشار أحمد الزند. وزير العدل. هو أول وزير في مصر يُقال من منصبه. بسبب إساءته إلي مقام أشرف المرسلين.. حين قال في مقابلة تليفزيونية: "اللي حيُخطئ حاحبسه. حتي لو كان نبي صلي الله عليه وسلم".. وقد سبقت قرار الإقالة وواكبته غضبة شعبية عارمة علي مواقع التواصل الاجتماعي بشبكة الإنترنت في يوم عاصف زمجرت فيه السماء بريح وغبار ورعد وبرق ومطر.. وسبحان الله العظيم.
صحيح أن الرجل اعتذر علي ما بدر منه في حق الرسول الكريم.. واعتبر ذلك زلة لسان استغفر الله عنها.. وفي المنظور الديني كان هذا الاعتذار كافياً. وأمره إلي الله هو وحده سبحانه أعلم بالسرائر.. إن شاء عذبه. وإن شاء عفا عنه.. لكن في المنظور الشعبي كان الأمر مختلفاً. حيث جاء رد الفعل قوياً واسعاً.. هناك من أصر علي إقالة الزند. ومحاكمته. أسوة بمن تجاوز في حق نساء الصعيد.. وهناك من اتهمه بأنه استهان بالرسول ولا يجرؤ علي الاستهانة المماثلة بالحكام.. وهناك من تطرف ورمي الرجل بالكفر والعياذ بالله.. وهي تهمة شنيعة نبرأ إلي الله منها ولا تجوز.. وفي هذه الضجة لم يكن في وسع أحد أن يتجاهل غضبة الشعب. فكان لا مفر من الإقالة.
ليس من طبعي أن أتناول مسئولاً بعدما يغادر منصبه ويفقد نفوذه.. لكن الحقيقة أن المستشار الزند كان وسيظل ظاهرة خاصة جداً.. وله مؤهلات مشهودة في الكر والفر.. وكانت إطلالته علي الجمهور من أي وسيلة إعلامية كفيلة بإثارة الغبار وإحداث الضجيج.. ناهيك عن قدرته علي الحشد وجمع القُضاة. وخلط القضاء بالسياسة.. وقد كتبت في هذه الزاوية يوم الثلاثاء الماضي 8/3/2016 مقالاً بعنوان: "التطرف والتطرف المضاد" أعارض بكل قوة أفكاره واقتراحاته وتصريحاته ومقالاته المستفزة.. التي تحمل استعلاء وكبرياء وفاشية.. وتلحق أبلغ الضرر بسمعة العدالة في مصر.
ومن أمثلة ذلك اقتراحه بإصدار قانون يعاقب والدَيّ الإرهابي ـ الأب والأم ـ اللذين لم يحسنا تربية ابنهما. ولم يبلغا عنه الشرطة.. وهو اقتراح عجيب يتعارض مع كل القواعد القانونية والدينية. التي تجعل المسئولية الجنائية شخصية "ولا تزر وازرة وزر أخري".. واقتراحه بجعل الاستماع إلي الشهود في الجنايات جوازياً. مرتبطاً بإرادة القاضي. وليس وجوبياً. كما هو في القانون الحالي.. الأمر الذي اعتبره قُضاة مجلس الدولة تدخلاً صارخاً في أعمال جهة قضائية مستقلة.. أضف إلي ذلك تصريحه المثير عن المصري الذي يستطيع العيش بـ2 جنيه. في الوقت الذي يسعي بكل الطرق لزيادة دخل القاضي بآلاف الجنيهات.. وتصريحه بأن "اللي يقاطع الانتخابات خاين بلا شرف. ولا يستحق الحياة".
ولعل أشهر تصريحات الزند. ذلك الذي تحدث به كثيراً عن توريث القضاء. الذي يعتبره زحفاً مقدساً. لا يستطيع أحد أن يوقفه.. وهو ما يعني مباشرة إهدار مبدأ تكافؤ الفرص. والمساواة والمواطنة. والحق والعدل والقانون.. خصوصاً إذا ارتبط بمقولته "القُضاة هم الأسياد. وغيرهم العبيد".
وقد كتبت الزميلة عبلة الرويني عن ذلك في "الأخبار" تقول: "المستشار أحمد الزند. هو المستشار النقيض".. فهو المدافع الأول عن استقلال القضاء.. وهو أيضاً أحد رموز السطوة والجبروت. والتمايز والمعارك الشرسة.. تلك الرؤية المتعالية هي ما دفعت إلي تسميته بـ"الرجل الطاووس" وهذا الشعور المتعالي بالتمايز هو ما دفع المستشار الزند إلي الدفاع المستميت عن توريث القُضاة لأبنائهم. حتي أطلق عليه "قاضي التوريث".. وتصريحاته في هذا الشأن هي أيضاً متناقضة مع أفكاره عن الحرية والاستقلال والمساواة.. ففي أحد اجتماعاته مع القُضاة أعلن بوضوح وحسم "سيستمر تعيين أبناء القُضاة سنة بسنة. ولن تكون هناك قوة في مصر تستطيع وقف هذا الزحف المقدس".
وإذا كان وزير العدل السابق المستشار محفوظ صابر قد أقيل من منصبه بسبب استهانته واستهتاره بعامل النظافة حين قال: "ابن الزبال ليس مؤهلاً ليكون قاضياً في مصر".. فكيف فات علي مريدي الزند أن استهانته واستهتاره بمقام أشرف المرسلين "صلي الله عليه وسلم". ستكون الضربة القاضية له؟!!