الأهرام
هانى عسل
الورد اللى فتح فى جناين سوريا!
«.. حين تدفق الناشطون السوريون إلى الشوارع فى منتصف مارس عام 2011 مطالبين بالحرية والديمقراطية، لم يكن أى منهم يتخيل أنه بعد خمس سنوات، قد ينتهى به الأمر لاجئا فى أوروبا»!
بهذه الكلمات بدأت وكالة الأنباء الفرنسية تقريرها عن أحوال اللاجئين السوريين المقيمين فى أوروبا، بمناسبة ذكرى مرور خمس سنوات على اندلاع الحرب الأهلية، التى كان اسمها «ثورة» و«ربيعا»!

التقرير يقول إنه على الرغم من وجود هؤلاء على بعد آلاف الكيلومترات من بلادهم الآن، فإنهم ما زالوا يتابعون أخبار عائلاتهم عبر هواتفهم الذكية، ويشعرون بالأسى حيال الثورة التى أطلقوها، وتحولت تدريجيا إلى حرب دولية مدمرة.
تقرير الوكالة الفرنسية الذى لم يهتم شعب الفيسبوك فى مصر بقراءته بطبيعة الحال، تحدث عن نماذج حية لهؤلاء السوريين، الناشطين والثوار سابقا، واللاجئين حاليا، ومن بينهم شاب اسمه «جيمى شاهينيان» - 28 عاما - يقيم حاليا فى ألمانيا، وهو أصلا من مدينة الرقة السورية، التى أصبحت لاحقا عاصمة لدولة داعش، وشاب آخر يدعى «أحمد الرفاعي» - 24 عاما - وثالث يدعى «يزن» - 30 عاما - أى أنهم شباب سوريون من أطياف مختلفة، وجميعهم متعلمون و«زى الورد»، ولكنهم تحولوا، وبأيديهم، إلى ورد ذابل مهمل منبوذ يبحث عن عمل فى شوارع ومقاهى أوروبا. يقول التقرير إن هؤلاء الشبان «تسلموا زمام المبادرة منذ اللحظات الأولى للثورة، فكانوا يستخدمون موقع «فيسبوك» وتطبيق «سكايب» فى تنظيم المظاهرات «السلمية»، والتواصل مع الصحفيين حول العالم، ونشر شعارات إسقاط النظام، ولكن الأمور لم تكن كما توقعها الشبان، فقد تعرض «شاهينيان» للاعتقال والتعذيب، وبعد سيطرة داعش على المدينة، تلقى تهديدات بالقتل دفعته للفرار داخل سيارة إسعاف إلى تركيا شأنه شأن خمسة ملايين سورى نزحوا من بلادهم، وهو الآن يتقاسم غرفته فى مخيم لطالبى اللجوء مع عشرة لاجئين آخرين!

أما «الرفاعى» فهو ناشط ومناضل سابق من شمال سوريا، ويقيم الآن فى ألمانيا طلبا للجوء، ويحاول أيضا تعلم اللغة الألمانية للعثور على عمل، مستغلا طيبة قلب ميركل التى لن تدوم!

أما «يزن» فقد كان صحفيا ناشطا فى حمص، يتابع الأحداث ويصورها، قبل أن ينتهى به الأمر عاطلا عن العمل هو الآخر فى ألمانيا، شأنه شأن «الرفاعى»، وملايين من مواطنيه!

ليس السوريون العاديون وحدهم الذين تحولوا إلى لاجئين، ولكن من أشعلوا الثورة أيضا أصبحوا كذلك .. وحقيقة، لا أعرف هل نضحك أم نبكى أو نلطم الخدود أم نحمد الله على ما نحن فيه عندما نقرأ هذا التقرير!

ضاعت سوريا بسبب النشطاء، والذين يعترفون الآن بأن المشكلة لم تعد فى نظام بشار وحده، ولكن فى القوى الإقليمية والكبرى التى تخوض صراعا داميا لن ينتهى على الأراضى السورية عبر وكلاء وائتلافات وميليشيات، وحتى فى أفضل الظروف، وفى حالة نجاح مفاوضات السلام الحالية فى جنيف، يبقى السؤال : هل ستعود سوريا كما كانت بعد كل هذه الدماء؟ هل ستكون هناك سوريا أصلا؟ وكم مليار دولار ستحتاجه لكى تقف على قدميها من جديد ولو بنسبة 1% فقط مما كانت عليه قبل الثورة المجيدة؟ أكيد، لا أحد يرضى الظلم أو الفساد، ولا أحد ضد الإصلاح أو التغيير إلى الأفضل، ولكن، الأوطان ليست لعبة، ولا حقل تجارب، وتجربة سوريا وغيرها، أثبتت أن التجارب التى تفشل، غير قابلة للتصحيح، والأوطان التى تسقط لا تعود أبدا، والتاريخ يعلمنا أن العبرة بالنتائج، والمنطق يخبرنا بأن النتائج عبارة عن أرقام وحقائق، وليست انطباعات وعواطف وتبريرات ساذجة للفشل، والنتائج فى دول «الربيع» أسوأ مليون مرة مما كان عليه الحال أيام الأنظمة الديكتاتورية التى سقطت، بدليل الأوطان التى تمزقت، والشعوب التى هربت، والنشطاء الذين «طفشوا»، والصنف الأخير لا يحق له الشكوى قبل أن يجد من يحاسبه - يوما ما - على ما اقترفه من جريمة فى حق الوطن، جريمة تحويل الوطن إلى «دمية»، و«حقل تجارب»، ولو بحسن نية!

.. يا عالم .. يا من تهللون وتطبلون فى إعلامكم للسلبيات والأزمات والمصائب والاكتئاب لتسويق تجربة جديدة فاشلة أو إفشال تجربة ناجحة ..

.. يا من تتحدثون فى اليوم الواحد عشر مرات عن الثورة والتغيير والانفجار والموجة الثورية والغضب الساطع .. خذوا العبرة من «الورد اللى فتح فى جناين سوريا»!!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف