الأهرام
جمال عبد الناصر
ازدراء الأديان والإساءة للأنبياء
دار الخلاف حول مفهوم ازدراء الأديان والإساءة للأنبياء، وهل يتعارض مع حرية التعبير أم لا ومدى موافقة هذا أو تعارضه مع القانون الدولي لحقوق الإنسان، فراح كل من هب ودبَّ وابتغى الشهرة يزدري الدين ويسيء للأنبياء، فالغرب ينظر لهذه المسألة على أنها لا تدخل في مفهوم حقوق الإنسان، والدول الغربية دائمًا تتعلل بضعف مواقفها، وأن هذه المسألة تدخل في حرية الرأي والتعبير، فهل حرية التعبير تعني الإساءة للأنبياء وازدراء الأديان؟!!
بادئ ذي بدء ينبغي مقارنة هذه المواقف بمثيلاتها فيما نُشر عن معادة السامية وماذا فعل اليهود ساعتها؟ علما بأنهم ليسوا وحدهم أبناء سام بن نوح عليه السلام!!
إن معاداة الإسلام موجودة في الغرب منذ زمن، فالإسلاموفوبيا ظهر في الغرب في بداية القرن الحادي عشر وليس بعد أحداث 11 سبتمبر، بل ظهر هذا المفهوم منذ العصور الوسطى، والغرب أصّل ذلك كما في كتاب صموئيل هنتجتون "صراع الحضارات"، وبعد 11 سبتمبر انتشرت الإساءة للإسلام على أشدها.
أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد دعا إلى التعايش مع الآخرين كما نصت على ذلك وثيقة المدينة، ورفع مكانة الأنبياء وأثنى عليهم فقال عليه الصلاة والاسلام: "أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم"، وقوله عن يونس عليه السلام: "لا تفضلوني على يونس بن متى"، وجاءت صورة الأنبياء في القرآن كريمة موقرة، كما قال سبحانه: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: 90]، {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ * وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ* وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلاًّ فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ * وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}[الأنعام: 83-87].
ولقد اهتم علماء الكلام المسلمون بتكريم الأنبياء والحديث عنهم علماء فجعلوا لهم قسما بأكمله تحت عنوان "النبوات"، حيث قسموا علم الكلام إلى إلهيات ونبوات وسمعيات، وخصصوا فصلا بأكمله عن عصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
وللأسف الشديد لا يوجد قانون دولي يلزم الدول بعدم الإساءة للأديان، لكن هناك عهود دولية مثل العهد الدولي لحقوق الإنسان.
ولقد اقتضت سنة الله أن يناصرها المسلمون منذ اللحظة الأولى التي جهر بها الرسول صلى الله عليه وسلم بالدعوة، وعندما صاح في وجهه عمه أبو لهب: "تبٌّ لك يا محمد ألهذا جمعتنا؟"، وأيضا عندما تم إلقاء سلا الجذور على ظهر الرسول الكريم، وفي الطائف عندما أرسل أهلها سفاءهم وصبيانهم خلف النبي الكريم كي يسبوه، وما فعله مشركو مكة من إيذاء وصل لدرجة الحصار عندما حاصروه في شعب أبي طالب، وما لاقاه النبي صلى الله عليه وسلم من أذى في المدينة على أيدي المنافقين واليهود، وحادثة الإفك خير دليل على ذلك، وحتى بعد وفاة الرسول الكريم استمر الأذى متمثلا في إثارة الشبهات، مثل الحديث في القدر وغيره والطعن في علماء الحديث ورواته من الصحابة رضي الله عنهم.
أما في الغرب الذي يَعتبِر نبي الإسلام خطرًا عليه، فمنذ البداية ظهر يوحنا الدمشقي وما أثاره من شبهات، وتوالت الحملات الصليبية على بلاد المسلمين، واستمر هذا الأذى أيضا في الاعتماد على الخرافات الشعبية المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم، مثل رواية "ماهوت" والمسرحية المسيئة للرسول التي كتبها الأديب والمفكر الفرنسي فولتير، وإن كان قد اضطر للاعتذار عنها فيما بعد.
وقد أثيرت شبهات في الغرب حول رسول الإسلام مثل أنه تلقى الوحي من بحيرا الراهب اليهودي، واتهام أتباع نبي الإسلام بالجهل والتعصب وأنهم لا يصلحون للبحث العلمي، وهناك من ضمن صنوف الإيذاء للإسلام ونبيه الكريم، منها احتفاء الغرب برعاية الكاتب سلمان رشدي صاحب رواية آيات شيطانية التي هاجم فيها الإسلام وأساء لرسول الإسلام وزوجاته، وأيضا نشر الرسوم المسيئة لرسول الإسلام في دولة الدنمارك، وكذلك حملة دولة فرنسا ضد الحجاب والتضييق على من يرتدينه، كذلك من ضمن صنوف الأذى للمسلمين قرار دولة سويسرا بمنع رفع المآذن فوق مساجد المسلمين، ثم ظهور الفيلم المسيء للرسول في أمريكا والتعلل بحرية التعبير، كل هذه الأحداث المتناثرة، وما فعله جورج بوش الجد في كتابه "محمد مؤسس الدين الإسلامي ومؤسس إمبراطورية المسلمين"، حيث وصف المسلمين بأنهم "سرسريه" أي "همج وصيع"!!، وها هم الغربيون يزعمون أنهم حماة الحرية ودعاة السلام!! وقد ظهرت الازدواجية في المعايير لديهم عندما حلُّوا مشكلة أوكرانيا وتركوا الدماء تنزف في العراق
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف