الوطن
د. محمود خليل
الجنيه يتنفس تحت الماء
أهل الاقتصاد أدرى بشعابه!.. لكن ثمة مجموعة من الأمور المحيرة فى القرار الأخير الذى اتخذه البنك المركزى برفع سعر الدولار 112 قرشاً أمام الجنيه. أولها أن محافظ البنك المركزى سبق أن ذكر أن تعويم الجنيه لن يتم إلا إذا تعافى الاقتصاد المصرى ووصل الاحتياطى النقدى إلى 25 أو 30 مليار دولار، والبيانات المتاحة من البنك المركزى تشير إلى أن الاحتياطى حالياً يدور حول الرقم: 16 مليار دولار. فهل جد جديد فى هذا السياق؟. بعبارة أخرى هل تحرك سقف الاحتياطى بطريقة أو بأخرى خلال الأيام الماضية، تبرر هذه الزيادة المهولة والمفاجئة فى سعر الدولار أم أن ظروفاً محددة فرضت اتخاذ هذا القرار، قبل أن يتعافى الاقتصاد، ويصل الاحتياطى إلى المستوى الذى سبق وربط محافظ البنك المركزى تعويم الجنيه به؟.

الأمر الثانى المحير يرتبط بحكاية تعويم الجنيه.. فهل قرار خفض سعر الجنيه بهذه الصورة يعنى تعويماً له؟. الخبراء يقولون إنه تعويم جزئى، أو بمصطلح أهل الاقتصاد: «تعويم مدار»، ويعنى تحريك سعر الدولار أمام الجنيه بسياسات وإجراءات يتم التحكم فيها من خلال البنك المركزى. وكما تعلم أن سعر الدولار اشتعل بصورة غير مسبوقة داخل السوق السوداء خلال الأسابيع الماضية، وكاد يقترب من الجنيهات العشرة. وقد بدت الحكومة قلقة من ذلك، واتخذت إجراءات برفع القيود على سحب وإيداع الأفراد للدولار، وبعدها اتخذت قراراً مماثلاً بالنسبة للشركات، وقيل إن هذه الإجراءات تستهدف تلجيم سعر «الأخضر» فى السوق السوداء، وكانت من نتيجتها بالفعل أن انخفض سعر الدولار إلى ما يقارب الجنيهات التسعة داخل «السوداء»، لكننا فوجئنا بعد ذلك بقرار «المركزى» بتسعير الدولار بنفس السعر الذى استقر عليه تجار الصرافة، فهل يعنى ذلك أن لعبة الارتفاع فى السعر كانت تتم بأى قدر من الرضاء من جانب الدولة؟.

الأمر الثالث يتعلق بسعر الدولار فى موازنة الدولة للعام المالى 2016/ 2017، الذى تم تقديره بـ8.25 جنيه، كما أشار تقرير لوكالة «رويترز»، والسؤال: هل يؤثر قرار رفع سعر الدولار إلى 8.95 جنيه على التقديرات الخاصة بعجز الموازنة، وهل ثمة تدابير معينة ستتخذها الحكومة للتعامل مع هذا الأمر، ومن سيتحمل فاتورة هذه التدابير؟. الملاحظ طيلة الأشهر الماضية أن المواطن هو الضحية الأولى للعجز فى الموازنة، وأقصد على وجه التحديد المواطن الفقير وكذلك المنتمى إلى الطبقة الوسطى، وأريد أن أذكرك فى هذا السياق بأن الطبقة الوسطى دفعت -ولا تزال- الكلفة الأكبر للعجز فى الموازنة، نتيجة اتساع خريطة استهلاكها. وأول تسميع لأية ارتفاعات فى سعر الدولار يكون، كما هو معلوم، فى أسعار جميع السلع والخدمات، والمواطن ليس من السذاجة لكى يصدق أحاديث البعض عن أن الأسعار ارتفعت «خلاص»، وأن الزيادة الرسمية فى سعر الدولار لن يكون لها تأثيرات ذات بال، لأن هؤلاء يتناسون أن الزيادة الرسمية شىء، والزيادة «السوداء» شىء آخر، والخوف كل الخوف أن تؤدى زيادة «المركزى» إلى زيادة موازية فى أسعار الدولار الموازى، لتصل الأسعار بالمواطن إلى نفس الطريق الذى وصل إليه الجنيه الذى يتنفس حالياً تحت الماء!.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف