قبل أن أذهب إلى النوم أشك فى أننى لم أتربس باب الشقة جيدا، أنزل من السرير، أضع قدمى فى الشبشب وأتوجه للباب، أرى الترباس مغلقاً جيداً، أرفع يدى أمسك بالترباس وأدفعه نحو الإغلاق ظنا أنه غير محكم الإغلاق، أعود إلى السرير، وقبل أن أروح فى النوم أشك فى أن المدام لم تغلق جيدا عيون البوتاجاز، انزل من السرير، أضع قدمى فى الشبشب، أتوجه نحو المطبخ، مفاتيح العيون زى الفل، أرفع يدى وأمر عليها «مفتاح مفتاح» لكى أتأكد أنها محكمة الإغلاق.
أثناء فترة العزوبية «كانت حلم وراح» سكنت فى شقة دور أرضى فى حى نصر الدين بالهرم، فوجئت فى أحد الأيام بوجد احد الفئران يتجول دون خشى فى الشقة، ربطت بنطلون البيجاما بخيط على رجلى لكى لا يدخل من أسفل لأعلى، أحكمت أزرار جاكتة البيجاما، أمسكت بقطعة خشبية كبيرة، جلست فوق ترابيزة السفرة، فى المساء فكرت بشكل جاد فى أن ألف أسلاكاً كهربائية على أرجل الترابيزة، تصعق الفأر قبل أن يصل لى، فجأة رأيت سعادة البيه الفأر يقف ويتطلع لى بكل جرأة وتحدٍّ، قفزت فوق الترابيزة، أخذت أنفض فى البيجاما، أحكم إغلاق الزراير، أمسك ياقة البيجاما، أتمتم فى فزع: الفيران، الفيران هتخلى عيشتنا جنان.
زمان قوى، منذ ما يقرب من نصف قرن، آه ما أنا عجوز وبقيت جد، كنت أرى زوج عمتى رحمة الله عليه، بمعدل كل دقيقة، يقوم من على الكنبة «كنبة عربى» ويتجه إلى الحنفية «كانت فى برميل كبير مملوء بالمياه لعدم وصول مياه الحكومة لبيوت القرى»، يغسل يديه ووجهه ورأسه ويستغفر الله ويستعيذ من الشيطان الرجيم، بعدها يتوضأ، ثم يجفف نفسه ويمسح على وجهه ورأسه ثم يعود للكنبة، بعد دقيقة يهب واقفا من الكنبة، يضع قدميه فى الشبشب، ويتجه إلى الحنفية ويغتسل ثم يتوضأ، سألت عمتى رحمة الله عليها:
ــ قالت: الوسواس الخناس
ـــ بتاع سورة الناس
ــ آه ربنا يلعنه مشطب لنا على المياه أول بأول
قبل ربع قرن، جمعتنى جلسة كان يحضر على هامشها أحد أقاربى، قالوا إنه ظل فى مستشفى الخانكة 25 سنة، فوجئ أهله بعد ربع قرن بقسم الشرطة يتصل ويطالبهم بالحضور لاستلامه، دخل المستشفى بعد تخرجه فى كلية الهندسة، وقيل إنه كان يعانى من فوبيا الفئران، بدأت بوسواس وانتهت بالخانكة، فوجئنا خلال جدية الحديث الجارى فى الجلسة بقريبنا هذا، يقف مذعورا، يرفع قدميه من الأرض، ينفض جلبابه، يرفع ياقة الجلباب، يحكم إغلاق أزرار الجلباب، يتمتم ويقول: اوعى الفيران، شعرنا بالفزع، وقف قريبنا على الكرسى، ضرب جلبابه بيده، أمسك بياقة الجلباب، أخذ يقفز برجليه، تمتم بصوت مرتفع: اوعى الفيران، ارتعبت تخيلت ساعتها الفئران تملأ أرض الحجرة مثل المياه، رفعت قدمىّ من الأرض، وأمسكت بياقة القميص، وأحكمتها على رقبتى، ورددت معه اوعى الفيران، بعد لحظات من الفزع انفجرنا فى الضحك، ولعنا الوسواس الخناس.