المساء
عثمان الدلنجاوى
نبض الوطن سنغافورة.. معجزة العصر!!
أزمة الدولار بصرف النظر عن مدي نجاعة ما اتخذه البنك المركزي من قرارات لتجاوزها وآخرها خفض قيمة الجنيه المصري. هي عرض لمرض قديم متجدد. يكمن في تآكل قدرتنا علي الإنتاج. وزيادة فاتورة الاستيراد وتراجع عوائد النقد الأجنبي من الصادرات والسياحة وتحويلات المصريين بالخارج والمساعدات الخليجية. الأمر الذي خلق فجوة تمويلية في الميزان التجاري بنحو 50 مليار دولار. يقابلها محدودية في الاحتياطي النقدي.
لا نملك إلا التمسك بالأمل والتفاؤل بقدرتنا علي النهوض. وشحذ الطاقة الإيجابية واستنهاض البشر واستلهام نماذج نجاح من حولنا.. وفي تجربة سنغافورة مثلا دروس لمن أراد أن يتقدم. ويبدأ من حيث انتهي الآخرون.. فهذه الجزيرة الصغيرة مساحة "700 كيلو متر مربع" الكبيرة وزنا واقتصادا "ثالث أغني دولة في العالم" اتخذت من التعليم والتدريب أساسا صلبا ومفتاحا للانتقال إلي العالم الأول. عبر تزويد البشر بالمهارات والخبرات المطلوبة. واختيار الكفاءات للمناصب. وتشجيع الإبداع والابتكار حتي صارت واحدة من أفضل نظم التعليم في العالم. مستندة إلي ثلاثة مبادئ أساسية في صعودها نحو القمة وهي الجدارة والبراجماتية والأمانة والنزاهة.. وقد نجحت بالفعل في المواءمة بين النظام الرأسمالي والنظام الاشتراكي حتي صارت الخدمة المدنية فيها هي الأفضل في العالم.
لي كوان يو هو صانع معجزة سنغافورة ورئيس وزرائها الأسبق الذي تنحي عن الحكم بإرادته بعد 40 عاما علي رأس السلطة أتم خلالها مهمته بنجاح يقول في كتابه "من العالم الثالث إلي الأول: "بعد عدة سنوات في الحكومة أدركت أنني كلما اخترت أصحاب المواهب والكفاءة كوزراء وإداريين ومهنيين كانت سياستنا أكثر فعالية ونجاحا".
بدأت سنغافورة نهضتها بتعبئة كبيرة للمدخلات لتحويل اقتصادها إلي قاعدة للصناعات التحويلية الموجهة نحو التصدير. وكانت المدخرات الوطنية هي ممولها الأول تبعتها الاستثمارات الأجنبية وعززت القيمة المضافة لمنتجاتها من الصناعات الخفيفة إلي المتطورة. معتمدة علي استيراد أحدث التقنيات التكنولوجية لزيادة انتاجية رأس المال والعمالة وتوظيف المواهب الأجنبية كوسيلة لنقل المعرفة وتوفير بنية قانونية وفكرية وحوكمة رشيدة للنمو حتي احتلت المرتبة الأولي عالميا في الحوافز الاقتصادية لاقتصاد المعرفة. كما أن نظامها الصحي من أفضل النظم في العالم الشفافية مرتكز أساسي في نهضة سنغافورة. ومن ثم فهي من الدول الأقل فسادا والأعلي حرية. حيث منحت إعلامها حرية أكبر. إدراكا بأن مناقشة القضايا أمام الإعلام الحر صمام أمان.. بينما اسكاته أو استبداله بإعلام دعائي هو سرطان ينهش في جسد الوطن.
سنغافورة خليط من أعراق وأجناس انصهرت في بوتقة الوطن بلا تفرقة ولا تمييز في نظام قانوني عادل وصارم وناجز. وللمرأة دور مهم في نهضتها. فهي تفوق الرجل في التحصيل العلمي.
إجمالي الناتج القومي لسنغافورة 300 مليار دولار. وسكانها نحو 5.5 مليون نسمة عام 2013 مقابل 272 مليار دولار لمصر ونصيب الفرد السنغافوري من الدخل القومي لبلاده 80 ألفا و270 دولارا سنويا مقابل 38 ألفا للمواطن الياباني و5 آلاف دولار للمصري.
تجربة سنغافورة تشابهت مع مصر في البدايات والظروف والصعوبات لكن تباعدت المسارات والنهايات بينهما. وهو ما أدركه الرئيس السيسي حين قرر زيارتها للاطلاع علي معجزتها في التنمية. وتعميق التعاون معها.. فماذا فعلت الحكومة لاستلهام هذه التجربة الفذة في تنمية البشر قبل الحجر للخروج من نفق الأزمات المتكررة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف