الوزير ليس إخوانيا وهناك حملة قاسية تحاول النيل منه، لأنه جاء بعيدا عن الشلة التى تعتقد أنها الحاكم الأول والأخير فى عزبة وزارة الثقافة. هذا هو ما يمكن أن تنتهى إليه بعد أن تقرأ عمود الكاتب الصحفى والإعلامى الكبير حمدى رزق على صفحات «المصرى اليوم»، أعاد حمدى نشر ما سبق أن تناقله «النت» عن توجهات الوزير الإخوانية فى تقرير منسوب للأمن الوطنى، كما أن هناك صفحة على النت تؤكد أن الدولة أسندت الوزارة إلى درويش ينتقل من زار إلى مولد، وليس أستاذا لمادة التاريخ فى جامعة الأزهر. ما انتهى إليه حمدى هو أن كل هذه المعلومات مضروبة ومدسوسة، وتم نسبها لجهاز حساس فى الأمن الوطنى، ولهذا يتساءل لماذا لا يتحرك الجهاز ويحاكم من أساء إليه؟!
كل هذا مطمئن ولا غبار عليه، الوزير ليس إخوانيا، لقد بدأت المعركة بوصم الوزير لأنه أزهرى، لم أخشَ شيئا لأن الأزهر مثلا قدم لنا فى النصف الأول من القرن العشرين الأخوين عبد الرازق مصطفى وعلى، والباقورى وعبد الحليم محمود، وكانوا جميعا رموزا للتفتح الذهنى، ويدركون أن لكل مقام مقالا، راجعوا مثلا قول مصطفى عبد الرازق باريس عاصمة الدنيا، ولو أن للجنة عاصمة لأصبحت باريس ، هل من الممكن أن يردد ذلك الإمام الأكبر د.أحمد الطيب، الذى درس عدة سنوات فى السوربون هذا، تركيبة شيخ الأزهر الحالى المتحفظة تحول دون تصور حدوث ذلك.
ولو عدنا إلى مطلع القرن العشرين نجد الإمام مفتى الديار المصرية الأسبق محمد عبده، الذى رحل عام 1905، كانت فتواه هى التى مهدت للاعتراف الشرعى بفن النحت، وبالتالى إنشاء كلية أو بتحديد أدق مدرسة الفنون الجميلة التى افتتحت فى 1908، ولولا ذلك لتأخرت مصر عن الركب الفنى والسينمائى، الشيخ المستنير بحق أباح صناعة التماثيل دون قيد ولا شرط. بينما عندما تولى د.على جمعة دار الإفتاء، قننها مؤكدا أن الحُرمة هى للتمثال الكامل، وأباح فقط الناقص، حاول أن تتذكر ما الذى كان يفعله الداعشيون قبل عشرة أيام فى متحف الموصل، كانوا ينفذون بالضبط فتوى على جمعة ويحطمون التماثيل الكاملة.
تكلم حتى أراك هكذا قال سقراط، وهكذا رأيت وزير الثقافة د.عبد الواحد النبوى فى أكثر من لقاء تليفزيونى وصحفى، يريد أن يعقد صلحا بين الرؤية الدينية والفنية، ولا يمانع فى أن يستشير رجل الدين فى الأعمال الفنية.
إنها منطقة ملغومة، هل يعتقد الوزير أنه من الممكن أن يوافق رجل الدين أيًّا ما كان الدين الذى ينتمى إليه، على إباحة أغانى نانسى عجرم وهى تردد مثلا أطبطب وادلع ؟ ممكن للشيخ أو القسيس أن يستمع إليها فى بيته أو حتى يغنيها مع نفسه، لكنه لا يجرؤ أن يبوح بها للملأ، بل لو سألوه فسوف يحرم لا محالة الطبطبة والدلع.
لقاء رجال الدين والمثقفين على أرض واحدة ومائدة واحدة، أُمنية مستحيلة التحقق لأن الأحكام الفنية بالضرورة نسبية، بينما الأديان فى أحكامها مطلقة، فكيف من المكن أن يلتقى المطلق والنسبى. مؤسسة الأزهر لها وقارها واحترامها فى نفوس كل المسلمين، ولكن لا دور لها فى الأعمال الفنية سواء فى الإباحة أو التحريم، وتظل أيضا هناك ملاحظة أخرى وهى فكرة الفن الوطنى التى تسيطر على الوزير، الوطن هو كل الأنماط ولا يمكن أن نعتبر أن الأطلال مثلا هى التعبير عن الفن الوطنى، بينما غنى لى شوى شوى تخاصم الوطن.
الوزير ليس إخوانيا، ولكنه حتى الآن ليس متفتحا، ولا مرنًا فى تقبل كل أطياف الفنون!!