كان العقاد في مقدمة من استهوتني كتاباتهم. قرأت له "في بيتي". فكان المدخل لقراءة كل ما استطعت قراءته وفهمه من مؤلفاته. بدا لي العقاد صعباً في البداية. حاولت الإفادة من المعلومات التي تشتمل عليها كتاباته. ثم حاولت ان أجاوز التلقي السلبي إلي المناقشة والفهم. وتصورت العقاد - في حواري الصامت مع أعماله - عملاق الجسد والفكر. ساعد علي ذلك صوره التي كانت تنشرها الصحف. تسمها جدية واضحة. ساعد علي ذلك أيضاً لقب "الأستاذ" الذي كان يعنيه. حتي لو لم يسبق اسمه. بالإضافة - طبعا - إلي تلك الأستاذية الواضحة في كل ما كتب.
كان يحسن القراءة والاستيعاب. والتوصل الي وجهة نظر محددة. بحيث لم تشغله الانتقادات التي عابت علي كتبه خلوها - إلا فيما ندر - من المصادر والمراجع. يذكرني بألدوس هكسلي. ميزته الأولي تلك الملكة المذهلة. بهضم المعارف علي تنوعها. وإعادة تقديمها بأسلوب ومنهج مميزين. وتمنيت ان التقي بالعقاد. أقترب منه. أصافحه. أتعرف إلي ملامحه وانفعالاته. يدور بيننا حوار.
يوماً. كنت أعبر الطريق في شارع صفية زغلول. عندما اتجهت عيناي الي الوجه الذي طالما تمنيت ان ألتقي صاحبه.
كان العقاد - بجسده العملاق وملامحه الصارمة - يجلس في المقعد الخلفي لسيارة عتيقة الطراز. تهيبت. وترددت. وتلعثمت - لك ان تدرك مشاعري - قبل ان أتقدم من نافذة السيارة. وأهمس: مساء الخير! رد الرجل التحية بمثلها.
سألت وأجاب. وكان نبض الحوار ما كتبه في ميزانه عن كتاب فلسفة الثورة الذي عبر فيه محمد حسنين هيكل عن رؤية جمال عبدالناصر لوضع مصر في العالم. بداية لتعبير هيكل عن الأفكار الناصرية.
بدا الرجل مغايراً لكل ما قرأته عنه. وللصورة التي حاول ذهني القاصر ان يجسدها. كان أبوياً وودواً وطيباً. وتعانق - فيما بعد - حبي لشخصه وكتاباته في آن معاً. وعندما تهيأت للسفر الي القاهرة. كان العقاد في مقدمة من أتطلع لقائهم. أتعلم علي أيديهم. أناقشهم. أفيد من توجيهاتهم. والتقيت في القاهرة غالبية الذين تطلعت للقائهم. فيما عدا العقاد.
ترددت - بالخجل الكامن في أعماقي من المشاركة في المجتمعات - عن زيارته في ندوته الأدبية. ولأن الغد له غد. فقد تواصلت الأيام. حتي رحل العقاد عن عالمنا في الثالث عشر من مارس 1964م.