الوطن
مكرم محمد احمد
هل يفسد بشار نجاح مؤتمر جنيف (3)؟
لم يكد يلتئم انعقاد مؤتمر جنيف (3) لإنهاء الحرب الأهلية السورية، وتقبل كل الأطراف، بما فى ذلك تجمع المعارضة المسلحة، الحضور إلى المؤتمر دون شروط مسبقة، كما أعلن المبعوث الأممى، دى ميستورا، مع التزامها بسريان وقف إطلاق النار، الذى يؤكد وزير الخارجية الأمريكى، جون كيرى، أنه نجح فى خفض مستوى العنف فى كافة أرجاء سوريا بنسبة تتراوح ما بين 80 و90%، حتى خرج وزير الخارجية السورى، وليد المعلم، بتصريح مفاجئ يؤكد فيه أن الحديث عن إنهاء حكم الرئيس بشار الأسد يمثل بالنسبة لوفد التفاوض الحكومى خطاً أحمر!، وأنه ليس من حق المبعوث الأممى، دى ميستورا، أو أية جهة أخرى الحديث عن انتخابات رئاسية جديدة؛ لأن هذا الأمر يقع حصراً فى نطاق اختصاص وحق الشعب السورى، لا أحد سواه يستطيع أن يقرر فى الأمر شيئاً!.

وظهر واضحاً من تصريحات وزير الخارجية السورى، وليد المعلم، أن هناك موقفاً جديداً أكثر تشدداً من جانب وفد التفاوض الحكومى الذى أعلن أنه لن ينتظر طويلاً حضور وفد المعارضة السورية، وأن التعليمات لدى وفد الحكومة السورية أن يشد الرحال فوراً وينهى مشاركته فى المؤتمر إذا أصر البعض على أن يشمل جدول أعمال مؤتمر جنيف (3) مصير الرئيس بشار!.

وما حدث بالفعل أن تصريحات وليد المعلم المفاجئة ألقت ظلالاً كثيفة على مصير مؤتمر جنيف (3)، وبددت كثيراً من عوامل التفاؤل التى أحاطت مناخ انعقاد المؤتمر، بسبب إحساس الأوروبيين المتزايد، بأن الروس راغبون بالفعل فى إنهاء الحرب السورية، وقد التزموا على نحو مسئول باتفاق وقف إطلاق النار، باستثناء خروقات محدودة، فضلاً عن الالتزام المشترك الذى قدمه وزيرا الخارجية الروسى لافروف والأمريكى جون كيرى بتعاونهما من أجل بدء العملية السياسية فى أسرع وقت ممكن بعد أن أكدت معظم الجماعات المسلحة (97 جماعة) التزامها بوقف إطلاق النار!.

وربما زاد من حجم التفاؤل بانعقاد مؤتمر جنيف (3)، أنها المرة الأولى التى يتوافق فيها الروس والأمريكيون والأوروبيون على ضرورة إنهاء الحرب الأهلية دون تأخير؛ لأن إنهاء الحرب السورية يكاد يكون الضمان الوحيد لتوقف موجات الهجرة السورية التى تدق أبواب أوروبا، أخذاً فى الاعتبار أن القوات النظامية السورية تقف على أبواب مدينة حلب!.

وربما كان واحداً من ميزات جنيف (3) التى ضاعفت من فرص نجاحه، أنه ينطوى على جدول أعمال واضح ومحدد، يلتزم عناصر المبادرة الروسية التى طرحتها موسكو ووافق عليها الأمريكيون، والتى تقضى بتشكيل هيئة تنفيذية عليا من الحكم والمعارضة السورية تملك بذاتها سلطة القرار على كافة مؤسسات الدولة السورية، بما فى ذلك الجيش والأمن، تتولى إدارة البلاد خلال فترة انتقالية لا تتجاوز 18 شهراً، يتم خلالها كتابة دستور جديد وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية جديدة.

وبرغم اعتراض السعودية على الإبقاء على حكم بشار الأسد إلى نهاية الفترة الانتقالية، لقيت المبادرة الروسية قبولاً عاماً من معظم الأطراف، بل واعترف كثيرون بأنها تمثل الحل الصحيح لمشكلة بقاء بشار الأسد فى الحكم أو رحيله، لأنها تركت مصير «بشار» للشعب السورى يقرره فى انتخابات نزيهة تجرى تحت إشراف دولى باعتباره صاحب الشرعية الوحيدة الذى يملك هذا القرار، ويزيد على ذلك أن إيران لم تقدم أى اعتراض على المبادرة الروسية وإن كانت بعض قوى المعارضة المسلحة أصرت على عدم اشتراك «الأسد» فى هذه الانتخابات الرئاسية الجديدة، والأكثر من ذلك أنه عندما حاولت دمشق أن تستبق المبادرة الروسية بالإعلان عن انتخابات برلمانية مبكرة، رفضت المتحدثة باسم الخارجية الروسية الاقتراح السورى، مؤكدة أن موعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية الجديدة تحدده الهيئة التنفيذية العليا التى سوف تتشكل من الحكم والمعارضة فى مؤتمر جنيف (3).

كانت تلك هى مجمل المحددات التى حكمت عناصر تسوية الأزمة السورية، فما الذى جد فى الموقف كى يعلن وزير الخارجية السورى، وليد المعلم، قبل وقت قليل من عقد مؤتمر جنيف (3)، أن دمشق تعتبر الحديث عن «بشار» خطاً أحمر، وهل لجأ وليد المعلم إلى رفع سقف مطالب دمشق بشأن قضية بشار الأسد فى مناورة تكتيكية رداً على إصرار وزير الخارجية السعودى على ضرورة مغادرة بشار الأسد الحكم قبل بدء المرحلة الانتقالية، أم أن دمشق تعتبر بقاء بشار الأسد فى الحكم مطلباً استراتيجياً لا يخضع لأى تفاوض؟!.

ربما يكون من الصعب الإجابة الصحيحة والشافية عن هذه الأسئلة، لكن ثمة ما يؤكد الارتباط الوثيق بين تشدد دمشق فى قضية بشار الأسد، والتحسن المهم الذى طرأ على الموقف العسكرى للقوات السورية التى تقف الآن على أبواب مدينة حلب، وربما تكون دمشق قد نجحت أيضاً فى توسيع النطاق الأمنى الذى يحفظ أمن العاصمة بسبب التحسن.. وإذا صح هذا التوجه يصبح جزءاً من عقيدة الحكم فى دمشق أنه بات قادراً على تحقيق حسم عسكرى يمكن بشار الأسد من استعادة سيطرته على كل الأراضى السورية!.

لكن وقائع الحرب السورية، التى تدخل عامها الخامس، لا تعطينا ترف التفاؤل بقدرة أى من أطراف الأزمة على تحقيق حسم عسكرى ينهى الأزمة لصالح طرف دون الآخر، فضلاً عن أن «داعش» لا تزال تسيطر على معظم محافظة دير الزور، كما تسيطر على أجزاء مهمة من محافظة الحسكة ومناطق فى حلب وإدلب فى أقصى الشمال.. ولأن الحرب السورية هى أيضاً حرب بالوكالة، فهى تخضع لمتغيرات عديدة أهمها إمدادات المؤن والسلاح، وإذا كانت بعض جماعات المعارضة المسلحة قد حصلت بالفعل على صواريخ ضد الدروع تستخدمها ضد قوات الجيش السورى لوقف زحفه على موقع المتمردين، فليس هناك ما يحول دون أن تحصل هذه الجماعات على صواريخ أرض جو تهدد عمليات القصف الجوى لقوات المعارضة وتكسر قوة الردع السورية، بما يعنى أن فشل جنيف (3) سوف يؤدى إلى تصعيد مريع للحرب يمنع أى طرف من حسم المعركة لصالحه!.

لكن رمانة الميزان تبقى أخيراً فى يد الموقف الروسى الذى يملك كثيراً من أوراق اللعبة السورية بعد أن نجح الروس فى تثبيت وجودهم السياسى والعسكرى شرق المتوسط، وألزموا الغرب والأمريكيين الاعتراف بدور موسكو وضرورته، وأصبح من صالح موسكو أن تتوقف الحرب الأهلية السورية.. ويزيد من مسئولية موسكو عن الخروج من المأزق الراهن أن موسكو هى التى قدمت عناصر المبادرة التى تتضمن إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية فى نهاية فترة انتقالية تمتد 18 شهراً.. وأظن أن موسكو لا تزال هى أكثر الأطراف تأثيراً على الموقف السورى، كما أنها لا تزال فى حاجة إلى المزيد من التفهم المتبادل مع الغرب والأمريكيين لتمرير تسوية سلمية للأزمة الأوكرانية.. فهل تستطيع موسكو التى أنقذت بتدخلها العسكرى حكم بشار الأسد من سقوط مؤكد أن تلزم الموقف السورى جدة الصواب كى تنتهى الحرب الأهلية السورية ويصل جنيف (3) إلى تسوية سياسية للأزمة، أم أن مصير جنيف (3) لن يختلف كثير؟ عن مصير جنيف (1) وجنيف (2) وسوف يحقق فشلاً مؤكداً بسبب التشدد المفاجئ فى الموقف السورى لو تستمر طاحونة القتل والتدمير تضرب سوريا وتدمر حياة شعبها ومستقبله وربما تقوض أركان الدولة السورية لتسود الفوضى الشاملة الشرق الأوسط.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف