الوطن
د. محمود خليل
إحنا اللى عملنا يونيو..!
كلما أخطأ شخص، مسئول أو غير مسئول، فى هذا البلد، ودفع ثمناً عادلاً لخطئه، خرج علينا متحدثاً بما يشبه الصراخ عن دوره فى 30 يونيو، ووقوفه ضد جماعة الإخوان حتى أطيح بهم من الحكم. ليس ذلك فقط، بل كثيراً ما تتعالى أصوات «الجوقة» المصاحبة والمؤيدة لهذا الشخص عازفة نفس اللحن، ومنشدة فيما يشبه الكورال الجماعى «إحنا اللى عملنا يونيو». حدث ذلك حين أخطأ توفيق عكاشة واستقبل السفير الإسرائيلى، فعوقب على ذلك بإسقاط عضويته فى مجلس النواب، لم يكن التطبيع هو السبب المعلن لإقصائه، لكنه كان قابعاً وراء الأسباب الرسمية التى تأسس عليها إسقاط العضوية. لقد خرج «عكاشة» وبطانته محدثين عن دوره فى التصدى للإخوان، وإشعال ثورة 30 يونيو، إلى حد أن وصف نفسه بـ«مفجر ثورة 30 يونيو»، وغنت بطانته الأغنية نفسها. الأمر نفسه ينطبق على المستشار «الزند» الذى أقيل من منصبه كوزير للعدل بعد إساءته لمقام النبى (صلى الله عليه وسلم)، فقد أطلق العديد من التصريحات التى يتحدث فيها عن وقوفه ضد الإخوان، ودوره فى 30 يونيو، وخرجت «جوقة» كبيرة من ورائه تردد نفس الكلام بطريقة بائسة، تحمل على الرثاء.

يهمل الكثير من المزهوين بأدوارهم فى 30 يونيو حقيقة أن الشعب هو الذى ثار وانتفض بعد أن رفض حكم الرئيس المعزول محمد مرسى وجماعته، ولولا نزول الملايين فى ذلك اليوم لما تغير شىء، مهما صرخ من صرخ وقاوم من قاوم. وأريد أن أذكر الجميع بأن أصواتاً كثيرة مخلصة انتقدت وصرخت وقاومت فى عصر «مبارك»، على مدار ثلاثين عاماً، لكن ذلك لم يغير من الواقع شيئاً. سقط «مبارك» فقط حين خرج الشعب الثائر يطالبه بالرحيل فى ثورة 25 يناير 2011. الشعب هو الطرف الوحيد القادر على التغيير حين يريد، وليس هذا الشخص أو ذاك، بل إن الحديث عن أدوار لأفراد يسوقون الشعب يحمل نظرة استخفاف بأهالى هذا البلد الذين يفهمون جيداً متى يتحركون، ومتى يصبرون.

لقد أسقطت عضوية «عكاشة» فى «النواب»، وأقيل «الزند» من وزارة العدل، ولم نسمع أن أحداً نزل كى يتظاهر اعتراضاً على ذلك. لقد زعم هؤلاء أنهم حركوا الملايين الثلاثين التى نزلت فى يونيو 2013، فلماذا لم يتحرك ثلاثون ألفاً من أجلهما، بلاش ثلاثين، خليهم ثلاثة آلاف، بلاش ثلاثة آلاف، خليهم ثلاثمائة، بلاش ثلاثمائة، خليهم ثلاثة أشخاص. إن أحداً لم يتحرك، لأن أصحاب نظرية «الأدوار المعجزة فى يونيو» يعيشون وهماً كبيراً، حين يظنون أنهم المحرك الأول للشعب، ولا يستوعبون أن المصريين يتحركون بقانون أشبه بقانون «القصور الذاتى»، فلا بد أن تضغط عليهم ظروفهم حتى يتحركوا، وإلا بقوا على ما هم عليه من حركة أو سكون. المضحك فى الأمر أن أصحاب هذه النظرية ظلوا شهوراً طويلة يسخرون من «الينايرجية»، وزعمهم أن بمقدورهم تحريك الشعب، لكن يبدو أن مثلهم كمثل من ينهى عن خلق ويأتى مثله. الشعب يا سادة هو صاحب القرار، والشعب له حسبته ولديه حكمته..

قليل من التواضع قد يصلح الحال.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف