جمال زهران
الحسم والمحاسبة.. أساس للشرعية والتغيير
قرأت مقال.. الأستاذ محمد عبد الهادى علام (رئيس تحرير الأهرام) وهى أكبر جريدة فى الوطن العربى ومن كبريات الصحف
فى العالم بلا شك، الأسبوعى عدد الجمعة 11 مارس الماضي، تحت عنوان: وطن فى خطر: فرصة سانحة للتغيير، وهو مقال هام يستوجب قراءته لكل من يعمل فى الحقل العام، وبعد أن قرأت المقال، فكرت فورا بالإدلاء برأيى فيما يحدث ونرصده ونتفاعل معه فى نطاق تأييدى للرئيس السيسى من البداية وحتى الآن، ومازلت أقول إن صراعا إيجابيا على السيسى هو الأهم لمصلحة مصر وثورتى 25 يناير، و30 يونيو معا، وليس لمصلحة طرف على حساب آخر أو لحسابه. وفى تقديرى أن مصر تمر بفترة عصيبة للغاية، أستطيع توصيفها بحالة «السيولة السياسية». ففى هذه الحالة ترتفع وتيرة الخسائر، وتتراجع وتيرة المكاسب حتى لو عظمت فى مشروعات كبرى وهامة ولا غنى عنها، وهنا فإنه من الضرورى أن يرتفع صوت العقلاء الغيورين على الوطن بحق للتنبيه للمخاطر ودق الأجراس، مهما كان الثمن الذى يمكن أن يدفعوه حتى لو كانوا من مؤيديه مثلى وأ. علام وغيرنا، فالصالح العام هو الأبقي، والوطن هو الأبقي، وتثبيت أركان الدولة هو الهدف المرحلى تمهيدا إلى التغيير الحقيقى الذى ينشده الشعب بقيامه بثورتيه فى 25 يناير، و30 يونيو، وفى الغالب الأعم أن الغيورين على المصلحة العامة والذين يؤثرونها على المصالح الشخصية الضيقة، هم عادة قلة، لكنهم ضمير مجتمع يقظ يحملون الأجراس ويحملون أكفانهم على أيديهم، ويدفعون الثمن راضين، بل غالبا هم وقود لمراحل التغيير، الأمر الذى يجعلنا لا نيأس، بل نشحن أنفسنا بالأمل والتمسك بطاقة النور الربانية التى تبعث على الطمأنينة وتقوى إرادتنا فى إحداث غد أفضل، وهنا أقول يا سيادة الرئيس، من الآن وقبل مرور العامين على حكمك، عليك بمراجعة الموقف وتقييمه، وطرح رؤية جديدة بعيدا عن العناد والتمسك ببعض الأشياء وقد بدت خاطئة وتحتاج إلى مراجعة، فالتغيير حتمى فى السياسات والأشخاص، ويمكننى أن أسجل ما يلى باختصار وتركيز:
أولا: الحسم فى العديد من الأمور، مطلوب للغاية، لدرجة أننى أسمع فى الشارع ويتعمد كثيرون أن يسمعوها لي، عبارة: «احسم يا سيسي»، مصدرها ثقة الشعب الواسعة فى هذا الرجل، وهو ما يعطيه زادا وقوة وغطاء شعبيا لم يحدث لرئيس سابق باستثناء عبد الناصر، الذى يضعه الشعب نموذجا مرجعيا للحكم، فمثلا ملف رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات، طال ، ولم يعد استمراره فى موقعه بعد قانون عزل الرئيس لرؤساء الهيئات المستقلة، وتعيين نائبين له، فلماذا السكوت خاصة بعد فضيحة الـ 600 مليار؟! هل أبلغك رجالك بكتيبة التوظيف السياسى لهذا الرقم خارج مصر سواء فى قنوات الاخوان، أو فى دوائر المال والاستثمار؟!.
ثانيا: استمرار الاستعانة برجال من نظام مبارك (بعض الوزراء وبعض رؤساء الهيئات) وهم تلاميذ فاشلون فى مدرسة مبارك الفاسدة، ولا يرجى منهم خير، بل إن استمرارهم يخلق فجوة تباعد بينك وبين الشعب، والأكثر أهمية أن هؤلاء فقراء الفكر ويمكن أن يكونوا متآمرين على مشروعك يا سيادة الرئيس، ومن أمور الحسم أيضا ملف الجامعات، فهل يعقل ـ كنموذج ـ أن تظل جامعة بورسعيد بلا رئيس فعلى لمدة عامين بعد عزل الرئيس الاخوانى فى عهد عدلى منصور، هل تتصور يا سيادة الرئيس أن الجامعة يحكمها شخص واحد ولا يوجد نائب والمفترض وجود ثلاثة، ووجوده غير شرعي، وتم إبلاغ الوزير ولا حس ولا خبر، ويحكم الجامعة بلا سند قانونى من 5 يناير حتى الآن، وتم فتح الباب للترشح على رئاسة الجامعة مرتين، ولم يتم تعيين أحد للآن!! فهل وصلك ذلك.. من جانبى أبلغت مكتب سيادتكم، فماذا نفعل أكثر من ذلك؟! فضلا عن الحسم فى قضايا الهوية الاقتصادية وملف الاخوان والسلفيين والتجديد فى الخطاب الدينى والثقافي، الذى قد يخلق مناخا مختلفا يمكن أن يكون داعما لعملية التغيير والإصلاح والتطور والتقدم والنهوض بعد الكبوات. فالحسم هو قضية بالغة الأهمية، يؤكد الوجود الحقيقى للرئيس فى كل شيء.
ثالثا: المحاسبة المفقودة، آلية تعوق التقدم وعملية التغيير: فالملاحظ أنه مع عدم حسم ملف المحاسبة مع القديم ورجال مبارك يتصدرون المشهد بلا حياء أو خجل، سرت موجة من إعادة قواعد العمل بالفساد الفاجر فى كل مؤسسات الدولة، وكأن ثورتين لم تندلعا وراح فى مقابلهما شهداء وجرحى بالآلاف!! إن قواعد العمل القديمة قد عادت كما هي، والفساد توحش وازداد، والتنكيل برجالك الحقيقيين يتم جهارا نهارا وكأن الأمر بات ممنهجا، وأنا واحد ممن ينكل بهم من أسف على خلفية كشفى للفساد، على حين لم يكن يستطيع أحد مجابهتى أثناء فتح ملفات الفساد أيام مبارك!! فماذا حدث؟! هل نحن فى الطريق الأفضل أم لا؟!
الأمر يحتاج إلى لغة خطاب جديدة، وتغييرات كبري، وحسم سريع وقاطع لكل ما هو معلق، وقد تجاوزنا خطاب الرقة والعذوبة وهى مطلوبة بعض الوقت، إلى خطاب قوي، مرتبط بتنفيذ إجراءات، فالاستبعاد السياسى لرموز مبارك، والدفع بقوى التغيير الحقيقية والمحاسبة العاجلة والعدالة الانتقالية حتمية والرهان على برلمان مزيف، رهان خاسر، فسيكون أكبر معوق، وقلت ذلك قبل أن يتكون لأن مقدماته كانت واضحة، وتدخل الحكومة والدولة كان واضحا، وهذه هى النتيجة، كما أن ملف الاعلام وماوصل إليه من تداخل النفوذ والسلطة والمال والفساد والاستقواء حتى عليك يا سيادة الرئيس بات يحتاج لحسم ومحاسبة. فهل يعقل أن بعد إقالة الوزير الزند، تجد قنوات فضائية خاصة تدافع عنه!! وأخيرا فإن الحسم والمحاسبة هما أساس لدعم الشرعية وقاعدة للتغيير الحقيقي، والله الشاهد.
ومازال الحوار متصلا.