الأهرام
أحمد يوسف أحمد
عقيدة أوباما والشرق الأوسط
كنت أنوى أن أواصل الكتابة فى موضوع «خصخصة السياسة المصرية» لمناقشة الفعل العجيب الذى أقدم عليه النائب
السابق توفيق عكاشة ودفع ثمنه غير أن نشر التقرير المطول الذى كتبه الصحفى الأمريكى جيفرى جولدبرج بعنوان «عقيدة أوباما» Obama Doctrine فى مجلة «أتلانتيك» منذ أسبوع قد أغلق الباب على عكاشة لأهمية التقرير الفائقة بالنسبة لنا، فقد أكد بما لا يدع مجالاً لشك الأفكار التى كان محللو السياسة الخارجية لأوباما يجتهدون فى تأكيدها والتى بدت بوادرها فى المقابلة التى أجراها معه توماس فريدمان ونُشرت فى صحيفة » نيويورك تايمز » فى أبريل الماضى ، وقد يرى البعض ألا أهمية لمناقشة «عقيدة أوباما» لأنها تخص رئيساً لم يتبق له سوى تسعة أشهر فى السلطة وهو رأى مردود لأنه فى هذه المدة يمكن أن تتفجر أزمات تستدعى قرارا أمريكياً ومن ثم فإن فهم الطريقة التى يفكر بها الرئيس الحالى أمر لا غنى عنه فضلاً عن أنه من الضرورى لاعتبارات استراتيجية مناقشة التطورات التى مرت بها عقائد الرؤساء الأمريكيين المتعاقبين حتى نحدد الأرض التى نقف عليها ونحن نواجه ما نواجهه من تحديات مصيرية، وقد كتب جولدبرج تقريره استناداً إلى عديد من المقابلات والحوارات التى أجراها مع الرئيس الأمريكى وأعضاء إدارته ومستشاريه عبر سنوات، ومن القراءة الأولى للتقرير تبرز مسألتان مهمتان أولاهما تفسير أوباما قراره بالعدول عن توجيه ضربة عسكرية لسوريا تفادياً لتورط أمريكى جديد وهو الذى جاء إلى الحكم لتخليص بلده من حربين متمرداً على قواعد اللعبة فى واشنطن وهى التى تميل إلى التدخل العسكرى فى الأزمات التى تهدد المصالح الأمريكية تهديداً مباشراً، وهو تفسير بالغ الفائدة للمهتمين بدراسة صنع القرار فى السياسة الخارجية الأمريكية.

أما المسألة الثانية فتتعلق بموقع الشرق الأوسط من «عقيدة أوباما»، ومن حق أوباما أن تكون له عقيدته وأن يرتب عليها قرارات غير أن من حقنا أيضاً أن نناقشها سواء فى ذاتها أو فى السياق الأعم للسياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط بصفة خاصة ، وثمة ملاحظات عديدة فى هذا الصدد لعل أهمها ما يتعلق بتغير «عقائد» الرؤساء الأمريكيين فقد رأينا الكثير منها بدءاً من «عقيدة أيزنهاور» وحتى الآن، وقد سببت لنا تداعياتها الكثير من الإرباك والمشكلات ، فمن شرق أوسط رأى أيزنهاور أنه بات يعانى فراغا يهدد بأن يملأه الاتحاد السوفيتى بعد هزيمة العدوان الثلاثى على مصر فى 1956ومن ثم أبدى استعداده للمسارعة بتقديم المساعدة الاقتصادية والعسكرية لدوله إلى شرق أوسط يراه أوباما مصدراً للشرور والآثام ، ومن ثم فهو يريد أن ينسحب بعيداً عنه إلى آسيا التى تمثل المستقبل بالنسبة له خاصة أن الشرق الأوسط يفقد بسرعة أهميته للاقتصاد الأمريكى بفضل الثورة الأمريكية فى مجال الطاقة ، بل إن أوباما يرى فى شعوب أفريقيا وأمريكا اللاتينية شعوباً شابة تسعى لتحسين حياتها بالحداثة والتعليم والتقدم المادى ولا تفكر فى قتل الأمريكيين، وعند هذا الحد ينبغى التوقف لمساءلة أوباما الذى يبدو «عنصريا» تجاه العرب بالذات، فهم إما أفارقة أو آسيويون ومع ذلك فهم بعيدون فى نظره عن الصفات الإيجابية التى ألصقها بشعوب هاتين القارتين كما أنهم بالتأكيد لا يعيشون على التفكير فى قتل الأمريكيين ولكن نفراً منهم انجرف إلى سبيل الإرهاب وهذا النفر يقتلنا عرباً ومسلمين قبل أن يقتل الأمريكيين .

لم يُشِر أوباما بحرف واحد إلى المسئولية الأمريكية عن آثام الشرق الأوسط. ألم تكن السياسة الأمريكية مسئولة غير مرة عن خلق الإرهاب وتعزيزه؟ أوَ كنا نحن الذين تحالفنا مع «القاعدة» ودعمناها فى الحرب على الاتحاد السوفيتى فى أفغانستان؟ أم نحن الذين خلقنا داعش وأسلمنا العراق إلى النفوذ الإيرانى بسبب الإدارة المدمرة للعراق بعد الغزو الأمريكي؟ أم أننا السبب فى إذكاء الصراع الطائفى بين سنة العرب وشيعتهم وهم الذين عاشوا قروناً لم يتجاوز فيها البعد الطائفى حدود الاختلافات العادية؟ وإذا كان أوباما يريد أن ينسحب من الشرق الأوسط فليفعل لكن عليه أن يتذكر أنه يقدم على هذا وقد خلفت لنا سياساته هو وأسلافه قدراً هائلاً من المشكلات، وفى كل الأحوال عليه أن يحتفظ لنفسه وهو ينسحب بنصائحه المرفوضة عن مستقبل المنطقة، فهو ينصح السعوديين بالتشارك مع الإيرانيين والتوصل إلى طريقة للتعايش وتحقيق نوع من السلام البارد تفادياً للصراعات القائمة لأن الولايات المتحدة لن تتدخل بقوتها العسكرية لحسم هذه الصراعات، وبداية فليعلم الرئيس الأمريكى أننا أول من يسعد بالخروج الأمريكى ويود العيش فى سلام مع جيرانه لكن لإيران مشروعها للهيمنة على الوطن العربى عامة وخليجه خاصة، وقد حقق هذا المشروع إنجازات مهمة حتى الآن فى العراق وسوريا ولبنان وكاد الأمر يستتب له فى اليمن لولا التدخل العربي، ولذلك فإن الشرق الأوسط ليس كعكة يقتسمها هذا وذاك ولكنه يشهد معركة حقيقية بين نوازع الهيمنة الإيرانية والإصرار على حماية الهوية والمصالح القومية العربية.

سوف يذهب أوباما ويأتى غيره وقد يرى ساكن البيت الأبيض الجديد غير ما رآه أوباما وبالذات إذا ما أدت عقيدة أوباما إلى إفلات الشرق الأوسط من القبضة الأمريكية لحساب قوى عالمية صاعدة ومن ثم خسارة فادحة للأسواق وبالذات أسواق السلاح ناهيك عن مبالغة أوباما الشديدة فى فقدان الشرق الأوسط مكانته العالمية فى الطاقة، غير أن الدرس الأول المستفاد من هذه العقيدة هو أنه قد آن الأوان لكل من يولى وجهه شطر البيت الأبيض طلباً للعون فى قضايانا المصيرية أن يعلم أن الاعتماد على «العقائد» الأمريكية طريق مضمون للتهلكة وأن الاعتماد على الذات فى حسم هذه القضايا هو طريقنا الآمن الوحيد.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف