مؤمن الهباء
شهادة .. أبوالغيط.. ومستقبل الجامعة
لن يستطيع أحمد أبوالغيط مهما بلغت قدراته الدبلوماسية ان يصلح من شأن جامعة الدول العربية بعد التدهور الكبير الذي وصلت إليه.. وأقصي ما يمكن ان يرتجي من الرجل ان يحافظ علي هذا الكيان قائماً رغم هشاشته إلي أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً.. أقول ذلك بعين موضوعية حتي لايأتي اليوم الذي يلقي فيه بأسباب الفشل كاملة علي أبوالغيط وحده.. بينما القضية في الواقع أكبر منه وأشد تعقيداً.. ولا تتعلق كثيراً بشخصية الامين العام للجامعة.
معروف ان صناعة القرار داخل الجامعة العربية مرتبط بالارادة السياسية للدول العربية بالادق لحكام الدول العربية. والحكام الآن لديهم مشكلة كبيرة في التوافق السياسي الذي بدونه لن تستطيع الجامعة ان تخطو خطوة واحدة للامام.. أو تحل مشكلة من المشكلات العربية المعقدة.. ولن يكون لقراراتها أي تأثير في الواقع.
لقد تجاوز الحكام العرب مرحلة الخلافات ووصلوا إلي مرحلة التناقضات.. بمعني أن ما بين العرب الان ليس مجرد خلافات سياسية. أو حتي شخصية يمكن حلها. وإنما تناقضات صارخة وحادة.. فما يراه فريق حسناً يراه فريق آخر سيئاً تماما.. وبالتالي يقف الفريقان علي طرفي نقيض تجاه النزاعات الكثيرة المتفجرة في بلدانهم.. ولم تعد هناك منطقة وسطي يمكن ان يلتقوا عندها رغم اختلافاتهم وخلافاتهم تكون هي منطقة التعاون والتنسيق.. ولم تعد هناك قضية يمكن ان يكون عليها اجماع.. حتي القضية الفلسطينية التي كانت توصف دائما بأنها قضية العرب الاولي والقضية المركزية والقضية المحورية صار كل فريق يراها بنظرة مختلفة عن الفريق الآخر.
وبطبيعة الحال أدي هذا الاستقطاب إلي شل حركة الجامعة العربية وجمد أنشطتها.. وجعلها غير قادرة علي القيام بأي دور.. إلي الدرجة التي جعلت البعض يتهمها بأن قراراتها لا تصنع في داخلها وإنما تأتيها من الخارج.. وهذا الاستقطاب هو ما جعل المغرب تعتذر عن استضافة اجتماع القمة المقررة هذا الشهر خوفاً من انفجار الصراعات والتناقضات وانهيار الجامعة بالكامل.. وتدخل موريتانيا باقتراح لاستضافة القمة من أجل الحفاظ علي الشكل فقط.. وهناك تكهنات بأن معظم الدول العربية سوف تخفض مستوي تمثيلها في هذه القمة مثلما حدث في مؤتمر القمة الاسلامية الطارئة الاخير في جاكرتا.. بهدف خفض سقف الطموحات وإعطاء رسالة عربية واضحة بعدم الاكتراث.. الامر الذي يعني في النهاية مزيداً من تهميش الجامعة العربية في أعلي مؤسساتها "مؤتمر القمة".
كل يذكر العداء الشخصي الذي كان بين عبدالناصر والملك فيصل- الله يرحمهما- بسبب حرب اليمن والصراع الايديولوجي أثناء الحرب الباردة.. والحملات الاعلامية المتبادلة بين النظامين التي وصلت إلي حد الشتائم والاهانات.. ومع ذلك ما إن وقعت النكسة عام 1967 حتي تغيرت الامور بشكل دراماتيكي.. ففي القمة العربية التي عقدت بالخرطوم عقب النكسة مباشرة لمساندة مصر ومواجهة العدوان بموقف موحد أصر الملك فيصل علي ان يكون في استقبال عبدالناصر بالمطار.. ثم بادره بمد يده مصافحا وهو يردد بيت الشعر الشهير: "وقد يجمع الله الشتيتين بعدما.. يظنان كل الظن ألا تلافيا".
الشاهد هنا ان القضية المحورية جمعت الزعيمين المتصارعين المتخاصمين في لحظة الخطر.. فقد كان هناك إدراك ووعي كبيران بأن العدو واحد والخطر واحد والمصير واحد.. كانت خطوط الامن القومي العربي مستقيمة وواضحة المعالم.. وكان التدخل الخارجي في القرار العربي في أدني مستوياته.
اليوم ضعفت المناعة العربية.. فصارت البلدان في المشرق والمغرب العربيين أرضا خصبة للتدخلات الخارجية.. وصار هناك بدلاء للعدو الاستراتيجي.. بل هناك من اسقط عداوة اسرائيل وخطرها.. وجعل عداوة المقاومة وتنظيماتها في الصدارة.. ووصل الامر إلي حد الحديث عن تحالف بين اسرائيل وبعض الدول السنية المعتدلة في المنطقة.. ناهيك عن التحولات الكبيرة التي حدثت بدخول حزب الله إلي سوريا دفاعاً عن الاسد والاتهامات بالموجهة لحماس بالتآمر علي مصر والاختراق الايراني لسوريا والعراق واليمن والبحرين ولبنان.
لقد صار الجسد العربي كيانا مضطربا ومهلهلاً.. ولابد ان يتغير هذا الواقع إلي الافضل قبل أي حديث عن الجامعة.. التي هي ليست أكثر من مرآة لواقعنا الاليم.