الأخبار
حلمى النمنم
الشيخ رفعت .. روحها تفتحت لهذا الجمال وكلمات الآذان، فكان أن قررت اعتناق الإسلام
طلب الأستاذ محمد حسنين هيكل أن يكون في غرفته لحظة الوفاة وبعدها القرآن الكريم بصوت الشيخ محمد رفعت، فوجيء كثيرون بهذا الطلب، ويبدو أن هناك من تصور أن الصحفي الكبير لا يحفل بمثل هذه الأمور الوجدانية والروحية، لكن المفاجأة الأكبر كانت قبل هيكل حين طلب المخرج العالمي يوسف شاهين أن تشيع جنازته علي صوت الشيخ محمد رفعت، ونحن نعرف أنه لم تتم تلبية هذه التوصية، وذات مرة سُئل الشاعر نزار قباني عن القاهرة وعن شهر رمضان، قال : مدفع الإفطار والأذان بصوت الشيخ محمد رفعت، وحكت الفنانة ليلي مراد للناقد الراحل حسين عثمان عن تحولها من اليهودية إلي الإسلام أن آذان الفجر بصوت الشيخ رفعت كان يتسلل إليها يومياً وهي نائمة، فتشعر أن روحها تفتحت لهذا الجمال وكلمات الآذان، فكان أن قررت اعتناق الإسلام، ولا أريد أن استرسل في مزيد من الشهادات والمواقف حول صوت الشيخ رفعت تحديداً.

وحين يتعلق الأمر بالفن والجمال، فإن الجميع يمكن أن يلتقوا، من مختلف الثقافات والأفكار وأيضاً الديانات؛ حالة الشيخ رفعت دالة تماما علي ذلك.

صوت الشيخ رفعت حالة خاصة جداً بين مقرئي القرآن الكريم في مصر وفي العالم، خاصة لدي أولئك الذين أُتيحَ لهم الاستماع إليه وهو في عنفوان وجمال صوته، وليس في أيامه الأخيرة، ومن أسف أن التسجيلات التي أتيحت لنا معظمها يعود إلي المرحلة الأخيرة من حياة هذا الصوت الذهبي، أو قيثارة السماء، كما أطلق عليه الراحل محمود السعدني.

المدرسة المصرية في تجويد وتلاوة القرآن الكريم عريقة، وكذلك في مجال الابتهالات الدينية، وهي واحدة من أوجه تميز وريادة مصر والمصريين، هذه المدرسة جعلت الدين يدخل إلي المصريين من باب الروح والوجدان، ولا يكون - فقط - مجرد أوامر ونواهٍ، هو أعمق من ذلك بكثير، يمتد إلي طبقات الروح والمشاعر الإنسانية الخالصة والصادقة، التعامل المصري مع الدين والتدين المصري عموماً فيه مساحة كبيرة للروحانيات والمساحة الأقل للمظاهر والشكليات، وإن كان هناك من يسعي لقلب المعادلة.

وانتقل تأثير المدرسة المصرية وازداد اتساعها في المحيط العربي خاصة، في بعض مناطق العراق، لا يرفع الآذان في المساجد بغير صوت الشيخ عبد الباسط عبد الصمد، وللشيخ عبد الباسط محبة خاصة في سوريا أيضاً، وفي الإذاعة الوطنية والتليفزيون التونسي (الرسمي) عادة يذاع الآذان بصوت الشيخ سيد النقشبندي.

حملت الإذاعة المصرية فور تأسيسها أصوات هذه المدرسة، بدأت الإذاعة إرسالها بتلاوة القرآن الكريم وبصوت الشيخ محمد رفعت، واليوم لم تعد الإذاعة المصرية وحدها ولا التليفزيون المصري وحده، هناك إذاعات وشاشات عديدة، تقدم أصواتا ومدارس أخري، لكني ألاحظ أن كثيرا من هذه الأصوات لا تحفل إلا نادراً بتجويد القرآن وتفضل التلاوة فقط، وتستبعد الابتهالات تماماً، والمعروف أن التجويد يكون فرصة لإظهار المزيد من قدرات وجمال الصوت وفنياته.

يضاف إلي ذلك أننا، بفعل عوامل الزمن، فقدنا الكثير من رموز تلك المدرسة في تجويد وتلاوة القرآن الكريم وفي الابتهالات، لكن مازال لدينا أصوات عذبة وقوية في المجالين معاً، وإن لم يتح لها فرص الانتشار والذيوع اللائقين، فضلاً عن أن هناك أصواتا جميلة تستحق مزيدا من الاهتمام والتركيز.

يبدو أن نظرية الأواني المستطرقة صالحة في كل المجالات، خاصة في الثقافة والفنون، حين كان لدينا الشيخ محمد رفعت والشيخ مصطفي إسماعيل والشيخ علي محمود، كان لدينا كذلك أم كلثوم وعبد الوهاب وأسمهان وليلي مراد، وكان لدينا لطفي السيد وأحمد أمين وطه حسين والشيخ مصطفي عبد الرازق.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف