جمال زهران
ضوء أحمر .. السياسة الأمنية بين المبادرة ورد الفعل: واقعة شبرا الخيمة
أعلن اختلافي مع السياسة الأمنية المتبعة المتمثلة في «رد الفعل»، لا «المبادرة» فلا يمكن بحال الانتظار حتي وقوع الجريمة بل لابد من إجهاضها في المهد أو الوقاية منها حتي قبل احتمالات حدوثها
فجعت بشدة باغتيال الرائد مصطفي لطفي رئيس مباحث قسم ثان شبرا الخيمة، وإصابة معاون المباحث بالقسم، أثناء محاولتهما إلقاء القبض علي مجرمين اغتالوا ضباطا وأمناء وصف ضابط بمدينة الخانكة أثناء مطاردتهم، وهي المدينة المجاورة لقسم ثان شبرا الخيمة مباشرة، وذلك في منطقة الزاوية الحمرا بالقاهرة، وهي علي مقربة من حدود القليوبية. وقد تابعت الموضوع باهتمام بالغ، وشاركت مع الجماهير في أداء واجب العزاء الذي أقيم في ميدان المؤسسة العمالية بشبرا الخيمة، (مقر عائلته) بمنطقة الشرقاوية، وكان عزاء مهيبا وقبلت رأس والده الودود والحنون وأشعرته أننا فقدناه وليس هو كأب وكأخوات فقط الذين فقدوه. وقد كان لهذا الإقبال الجماهيري الواسع علي المشاركة في العزاء والرموز الجديدة في شبرا الخيمة ثان خاصة، معان عديدة أهمها دماثة خلق هذا الضابط، وحسن تعامله مع الجمهور، وكان حليما معهم، علي عكس المعروف عن ضباط المباحث، ولذلك شعرت بحزن عام أنقله بأمانة لكل من يهمه الأمر. وأكرر كل التعازي للوزير ومساعديه حتي مأمور قسم ثان شبرا الخيمة.
لكن الأمر يجب ألا يتوقف عند التعازي فحسب، بل علينا تجاوز هذه المسألة والنظر بعين الاهتمام إلي ما هو جار من قبل وحاليا ومستقبلا. فقد لاحظت أن الجهود الأمنية تصاعدت بسياسة «رد الفعل» علي اغتيال هذا الضابط وغيره الذين استشهدوا أثناء عملهم، فهم شهداء بطبيعة الحال. ووجدت الفرصة لكي أعلن اختلافي مع السياسة الأمنية المتبعة المتمثلة في «رد الفعل»، لا «المبادرة» فلا يمكن بحال الانتظار حتي وقوع الجريمة بل لابد من إجهاضها في المهد أو الوقاية منها حتي قبل احتمالات حدوثها. وأشهد الرأي العام علي واقعة مهمة في نطاق واقعة الاغتيال. فقد كنت في زيارة رمضانية لقرية «زاوية النجار» التابعة لمركز قليوب، وهي تمثل حدود التماس مع مركز الخانكة، واجتمع «نفر» غير قليل من المواطنين يشكون من التراخي الأمني مع المجرمين وتجار المخدرات، وأنه علي مقربة منهم امتداد مصرف شبين القناطر، منطقة مغلقة يسيطر عليها «الدكش» وعصابته ولديهم «جيش» جرار من البشر والتوك توك، يقومون بتسهيل الدخول والوصول والخروج والمغادرة من المنطقة، ومسلحون، بل ان المكان كله محاصر بالسلاح، كما أن المنطقة المعزولة عن العالم كله مكدسة بالسلاح!.. وسمعت عن حكايات يشيب لها شعور الشباب! بل انهم يتحدثون عن قتلي ملقي بجثثهم في المصرف، ماتوا أو قتلوا علي خلفية المخدرات، بل ووجدوا تكاتك ملقي بها في المصرف.. الخ. كما أن هؤلاء المجرمين، يسببون رعبا لأهالي المنطقة، حيث يطلقون كل يوم عشرات ومئات الطلقات يرهبون بها المنطقة وشعبها وتخويفهم الدائم من التفكير في الإبلاغ عنهم أو الاقتراب من مربعهم العصابي (مخدرات ـ بلطجة ـ جنس.. إلخ)، وذلك كله بزعامة المسمي بـ «الدكش»!.. فما كان مني في الحال إلا أن أمسكت بتليفوني واتصلت بالسيد اللواء نائب حكمدار القليوبية آنذاك ومسئول أمن جنوب القليوبية وتولي مناصب أمنية في قسم ثان شبرا الخيمة وفي قليوب، ونقلت له ما أبلغني به أهالي زاوية النجار وبلقس، فقال لي: ياه..! مستغربا أن الأمور قد وصلت عندي، فقلت له: لابد من التحرك العاجل، لأن الناس يئنون ويعانون، فقال لي: سنتابع الموضوع ووعدني بالمتابعة والنظر في الأمر. وانتهت المكالمة بأن نقلت له رأي الأهالي، وهذا هو دور السياسي، نقل نبض الشعب إلي رموز السلطة التنفيذية، بل ان مهمة الرجل العام الذي يهب نفسه لخدمة الناس بعيدا عن المواقع والطموحات الشخصية، أن يتفاعل مع هموم الناس. ثم تابعت الموضوع، وكلما زارني أهالي الزاوية وزرتهم لأداء واجبات اجتماعية، يقولون لي: لم يتم شيء ولم تتغير الأوضاع. وحدث أن التقيت بقيادة أمنية كبيرة وأبلغته بما حدث ويحدث في ذات الواقعة، فقال لي مهتما ومنصتا: حاضر يا دكتور جمال، وانت تقدر همومنا لكن تابعنا ولا تسكت، فشجعني للكتابة للسيد الوزير السابق، ولم يتغير شيء، وفوجئت بما حدث وهو أمر متوقع مع استمرار السياسة الأمنية بخيار «رد الفعل»، فالذي حدث بعد اغتيال الرائد مصطفي لطفي وزملائه من قبله بأيام، حملة أمنية واسعة لذات المكان الذي أبلغت عنه منذ عام تقريبا، فلو أخذت البلاغات بجدية واهتمام لما حدث ما حدث وتجنبنا ذلك، وما فقدنا أحدا من أبناء مصر يخدمون الوطن والشعب في مواقعهم الأمنية. أردت أن أقول لرجال الشرطة، : لكم كل التقدير، ولكن من الضروري مراجعة السياسة الأمنية، ولكم التوفيق، ومازال الحوار متصلا.