الجمهورية
بسيونى الحلوانى
لوجه الله .. لماذا يشعر المصريون بالإحباط؟
رغم حالة الاستقرار النسبي التي تعيشها مصر أمنيا واقتصاديا إلا أن "مزاج" المصريين ليس علي ما يرام فهم من خلال المتابعة الدقيقة لمواقع التواصل الاجتماعي والفضائيات والحوارات التي تدور بينهم هنا وهناك يشعرون بالإحباط. وهو شعور لا ينبغي لأجهزة الدولة أن تتجاهله بل يجب بحثه والوقوف علي أسبابه لأن استمرار هذا الإحباط يعني أن الدولة بما تحاول تحقيقه من انجازات في واد والشعب في واد آخر.
علي مائدة مستدرة ضمت عددا من الشباب وكبار السن في حفل زفاف نجل أحد الاصدقاء سألني أحدهم: البلد رايحة علي فين يا أستاذ؟
قلت له: البلد بخير والحمد لله بدليل أننا استطعنا أن نصل إلي هنا دون عوائق أمنية ونعيش في أمان إلي حد كبير ومن حولنا الشباب يرقصون والأطفال يلعبون والنساء يمارسون هوايتهم في النميمة والتآمر علينا.
ابتسم الرجل ابتسامة مصطنعة وقال: يا استاذ معظم الشباب الذين يتراقصون أمامك بلا عمل ويعيشون عالة علي أسرهم. والنساء الذين ينمون يتحدثون عن طوفان الأسعار الذي يحيط بنا ويهدد حياتنا دون أن تفعل الحكومة شيئا!!
قبل أن أرد علي الرجل المحبط من الحكومة وآدائها التقط شاب يقترب سنه من الثلاثين وسألني: يا افندم مصر في حاجة إلي ثورة ثالثة.
قلت له: ثورة تاني.. ليه يا ابني احنا ما صدقنا تخلصنا من تداعيات الثورتين السابقتين ندخل في ثورة ثالثة تدمر ما تبقي من اقتصادنا وتشيع الفوضي والاضطراب الأمني من جديد.. يا ابني البلد بعد الثورتين السابقتين مثل المريض الذي خرج من غرفة العمليات ولكي يتسرد عافيته يحتاج إلي فترة نقاهة تحتاج بعض الوقت وكثير من أساليب العلاج والتشافي وهذا ما تعيشه البلاد حاليا لم يعجب ردي أحد الجالسين معنا وقال: يا أستاذ البلد الآن لا تزال مريضة كما كانت قبل الثورتين والدليل علي ذلك أن رموز الفساد في نظام مبارك عادوا من جديد.. في مجلس النواب عدد كبير منهم.. في الأجهزة التنفيذية للدولة موجودون بكثرة.. في الفضائيات عادوا يدافعون عن مبارك ونظامه.. الشرطة عادت لسابق عهدها تمارس الاهانة ضد الشعب دون تغيير.
ثم التقط رجل عجوز خيط الحوار وقال: يا أستاذ أنت بتشتغل إيه؟
رد عليه أحد الجالسين معنا وعرفه بي.. فقال الرجل الوقور: طيب الحمد لله انت صحفي وتعرف أكثر منا: قل لنا لماذا فشلت الدولة في استرداد الأموال التي نهبها الفاسدون وهربوها إلي خارج مصر؟ وأين عشرات المليارات الهاربة التي قلتم لنا في الاعلام أن الدولة تتخذ الاجراءات لاعادتها إلي خزينة الدولة؟ ولماذا يعيش أصحاب المليارات المنهوبة طلقاء داخل مصر؟ لقد ذكرتم لنا في الصحافة بعد ثورة يناير عشرات الأسماء من كبار رموز نظام مبارك الذين استولوا علي أراضي الدولة ونهبوا الملايين من خزينتها دون أن نقرأ أو نسمع عما تم اتخاذه من إجراءات ضدهم وما تم استرداده منهم وهم الآن أحرار يخرجون ألسنتهم لنا هنا وهناك.
***
خرجت من حفل الزفاف وأنا أكثر إحباطا من الذين جلست معهم ليس لأن الفساد يحيط بنا من كل جانب كما يعتقد هؤلاء.. ولكن لأن الحكومة فشلت في تسويق انجازاتها بين الشعب.
مشاعر الأحباط هذه لا ينبغي أن تهمل من جانب أجهزة الدولة لأن المواطن المحبط لن يعمل ولن ينتج بالقدر الكافي وسيكون فريسة سهلة لجماعات التضليل التي تنتشر داخل مصر وخارجها.
صحيح أن ما ردده بعض الجالسين معي يحمل مبالغات وليس بالصورة العالقة في أذهانهم وقد رددت علي بعض ما قالوا وحاولت تصحيح المعلومات المغلوطة العالقة بأذهانهم.. لكن يجب أن نعترف بأن الدولة لم تقدم المعلومات والحقائق الكاملة في ملف مواجهة الفساد بعد أن وعدت بملاحقتهم في كل مكان.
أسباب إحباط المصريين- حتي ولو كانوا قلة- يجب أن تكون علي مائدة صناع القرار والأجهزة السيادية في البلد وأن تعالج باتخاذ قرارات وإجراءات تظهر الحقائق كاملة للشعب حتي لا نترك الفرصة لجماعات التضليل لتضاعف من إحباط المصريين.
كثير من الشباب لا يعجبه حال البلد ويطالب بثورة جديدة.. حتي ولو كان هؤلاء بلا منطق فلابد من الحوار العقلاني معهم لكي لا نتركهم فريسة سهلة لمحترفي الشائعات والأكاذيب.
لا ينبغي أن يدعي أحد أن أهداف ثورتي يناير ويونيه قد تحققت وتم توفير حياة كريمة لكل المصريين.. ويجب الاعتراف بأن ملفات الفساد والفاسدين لم تغلق. وأن مشكلات البطالة والإسكان والفقر لا تزال قائمة وأن الدولة تحاول بقدر الامكان حل هذه المشكلات وإنهاء هذه الأزمات.. لا ينبغي أن يزعم أحد أن مصر قد أصبحت دولة ديمقراطية بالمعني الكامل للديمقراطية.. لكن علي الدولة التي عاشت لسنوات في فوضي عارمة أن تعترف أنها لا تزال تلتمس وضع أقدامها علي الطريق الصحيح.
مواجهة الشعب بالحقائق تسهم في إزالة الإحباط وتقطع الطريق علي مروجي الشائعات والأكاذيب.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف