حسن المستكاوى
كرة القدم تعكس شخصية الشعوب
هزيمة أرسنال أمام برشلونة هى نفس القصة القديمة.. والننى سجل هدفًا رائعًا صنع الأمل ثم اغتاله الذئب سواريز
- الفريق الكاتالونى خلية نحل مكونة من ثمانى شغالات تعمل من أجل ثلاثة ملوك
- فى أصعب اللحظات هزم بايرن ميونيخ يوفينتوس بهجوم دقيق وغير عشوائى.. سريع وغير متسرع.. حماسى وغير أهوج
** عن هدف محمد الننى فى مرمى برشلونة، قالت صحيفة الجارديان: «سجل محمد الننى هدف الأمل بالنسبة لأرسنال، وهو أول أهدافه مع فريقه، إلا أن الأمل كان قصيرا».. وقالت صحيفة ديلى ميرور: «سجل الننى هدفا رائعا وقام بهذا الهدف بدور رأس الحربة».. وأكدت الصحيفة أن أرسنال يحتاج إلى لاعب يشغل مركز رأس الحربة بنفس قدرات وإمكانات سواريز أحد ثلاثى الهجوم المدمر فى الفريق الكاتالونى الذى سجل هذا الموسم 106 أهداف فى كل المنافسات لبرشلونة. والواقع أن سواريز يسجل من أى وضع، كما فعل فى هدفه بمرمى أرسنال الذى أحرزه من مسافة 16.3 ياردة، وسدد الكرة بسرعة 66.56 كم فى الساعة. وقطعت الكرة المسافة إلى المرمى فى زمن قدره 8 من المائة من الثانية.. (كلما قرأت مثل تلك الأرقام فى الرياضة أو فى كرة القدم أتوجه إلى السماء بالدعاء: يارب نعرفها فى يوم من الأيام)..
** الديلى ميل والديلى إكسبريس خرجتا بعنوان واحد على خروج أرسنال من بطولة أوروبا يقول: «إنها نفس القصة القديمة».. وهى واحدة من قصص الدراما فى كرة القدم التى يكتب فيها السيناريو قبل بدء العرض، ويتحقق دون خروج واحد على النص، ودون أن يتدخل الخيال.. وبالطبع يملك برشلونة سلاحا فتاكا وهم الثلاثى ميسى ونيمار وسواريز. والثلاثة عندهم السرعات، وعندهم ملكة تغيير الاتجاه بالكرة وبدونها بخفة ورشاقة، وتتجسد تلك الملكة تحديدا عند الثنائى ميسى ونيمار.
وعلى الرغم من هطول الأمطار بغزارة لم تتأثر تلك الملكة.. ويقصد بها القدرة على المراوغة وخداع الخصم.
** لكن برشلونة ليس هو الثلاثى الرهيب الذى يلعب فى المقدمة.. فهناك مجموعة رائعة من اللاعبين، الشغالات، مثل الشغالة فى مملكة النحل. وهؤلاء يعملون من أجل ثلاثة ملوك، يقدمون لهم الكرة، ويصنعون لهم الفرص، ويدافعون عنهم أيضا.. ولم يخسر برشلونة خلال 38 مباراة متتالية. ويبدو هذا الجيل مرشحا لصياغة تاريخ فى كرة القدم الأوروبية يضاهى تاريخ البرازيل فى كأس العالم. وقيمة هذا الفريق أنه يجمع بين الانتصارات وبين المتعة فى عروضه التى يقدمها.. مما يجعل مبارياته بمثابة مسرح للبهجة.
** كرة القدم «مش أجوان فقط».. والدليل أن العديد من المشاهدين، وكنت منهم، انتقلنا إلى متابعة مباراة أخرى، بين أفضل فريق فى إيطاليا، وأفضل فريق فى ألمانيا. وكان يوفينتوس متقدما على بايرن ميونيخ على ملعبه فى أليانز أرينا بهدفين للاشىء. وبدا أن المباراة تسير بالبايرن إلى الخروج من البطولة الأوروبية.. خاصة أن يوفينتوس لعب بالفلسفة والعقلية الإيطالية الشهيرة. دفاع صارم مع هجوم مضاد سريع. وهى فلسفة عرفتها الكرة الإيطالية من زمن، ربما من عام 1962 فيما عرف بالكتاناتشيو التى اخترعها المدرب الشهير هييلينو هيريرا وبها حققت الكرة الإيطالية عدة انتصارات، وبها فازت بكأس العالم 1982.. إلا أن العقلية الألمانية لا تعرف الاستسلام. فقد خسرت الحرب العالمية، ثم نهضت، وباتت ألمانيا دولة كبرى، صاحبة اقتصاد قوى. وكل صناعة فيها قائمة على الدقة، والتحمل، والجودة..
** كان بايرن ميونيخ مهزوما حتى الدقيقة 73.. حين سجل ليفاندوفسكى الهدف الأول بضربة رأس.. ووسط سيطرة ممزوجة بهزوم شرس، دقيق وغير عشوائى. سريع وغير متسرع. حماسى وغير أهوج. وفى الدقيقة الأخيرة سجل موللر هدف التعادل بضربة رأس، ولم يكن هدفا للتعادل، وإنما إعلانا بانتهاء معركة أليانز إرينا لمصلحتهم.. ففى الوقت الإضافى سجل البايرن هدفين إضافيين ليفوز 4/2..
** من يشاهد كيف لعب الألمان وكيف تبادلوا الكرة، فى اللحظات الأخيرة وهم يعانون من شبح الخروج، سوف يدرك أن كرة القدم ليست مجرد لعبة، يتصارع فيها 22 لاعبا على ركل بالونة منفوخة، ولكنها لعبة تعكس شخصية شعب.. فيمارسها الصينيون والكوريون واليابانيون بتنظيم وبمنطق أن الكثرة تغلب الشجاعة.. فهم يتغلبون على خصومهم بالتصدى بأكبر عدد من اللاعبين فى كل موقع، وكأنهم عساكر شطرنج. ويمارسها البرازيليون كأنها رقصة سامبا أو كاريوكا صاخبة. ويمارسها الأرجنتينيون من وحى التانجو، ويمارسها الإنجليز كما كانوا يخوضون حروبهم القديمة على أظهر الخيول فى حماية دروع حديدية، تقسم ظهر الجياد، وتقيد حركة الفرسان . ويمارسها الإيطاليون كما المجالدين فى الكوليزيوم. ويمارسها شعب باستموات، وباستبسال، وبطريقة رفع الشعار النبيل: «نموت ويحيا مرمانا» وتكون النتيجة خسائر وضحايا وشتائم وحرب فى اللعب.. ويمارسها شعب آخر كما يبهر الساحر جمهوره، بخفة يده، وبمعجزته وإنجازاته. وكم يكون مدهشا أن نفس هذا الشعب يمارس كرة القدم أحيانا كأنه يعزف موسيقى حسب الله السادس عشر، مع عميق اعتذارى لعم حسب الله..!