عاد المهندس شريف إسماعيل ليكرر من جديد كلامًا كان قد أطلقه، يوم 19 سبتمبر الماضى، حين أدى اليمين الدستورية، رئيسًا للوزراء.
يومها، قال بأن حكومته الجديدة سوف تعمل على مستويين: مستوى يشتبك مع المشاكل والأزمات اليومية للمواطن، فيظهر أثر العمل عليه، سريعًا، فى الشارع، ثم مستوى آخر بعيد، يتصل بالمشروعات ذات العائد الذى لا يشعر به المواطنون، إلا بعد سنوات.
وأذكر أننى قلت يومها، وبعدها، أن رئيس الحكومة، إذا راح يمارس عمله، فى مجلس الوزراء، بينما هذان المستويان أمام عينيه لا يغيبان عنهما، وخصوصًا المستوى الأول، فسوف يكتسب شعبية حقيقية لدى غالبية الناس، الذين سوف يشعرون بأثر عمله فى حياتهم، أولًا بأول، وبصورة تكاد تكون يومية.
وعندما استقبل الرئيس المهندس إسماعيل، الثلاثاء الماضى، فإنه قد خرج بعد اللقاء ليعيد على أسماعنا المعنى ذاته، الذى كان قد قاله، يوم أدائه اليمين الدستورية، والذى أشرت إليه حالًا!
وكم تمنيتُ لو أن رئيس الوزراء، وهو يؤكد على هذا المعنى المهم، من جديد، قد تذكر بينه وبين نفسه، أن ستة أشهر كاملة قد مرت على كلامه، فى طبعته الأولى، وأن كل واحد ممن سمع ذلك الكلام، فى سبتمبر من العام الماضى، لايزال ينتظر، لعل رئيس الحكومة يوفى بوعده، كما قطعه على نفسه!
ولقد قيل، بعد لقائه مع الرئيس، إن الرئيس قد ناقش معه الخطوط العامة لبرنامج الحكومة، الذى ستعرضه هى على البرلمان يوم 27 هذا الشهر، أى بعد أسبوع تقريبًا، وأن الرئيس قد طلب من رئيس الحكومة، أن يكون هناك اهتمام خاص لدى حكومته، بالفقراء، وبالعدالة الاجتماعية، كقضية.
إننى أجد نفسى هنا مضطرًا إلى العودة إلى الفيلسوف اليونانى سقراط، الذى كان مغرمًا بتحديد معانى الألفاظ قبل أن يتداولها أو يستخدمها مع غيره من آحاد الناس.. فلقد كان إذا بادره أحد بالتحية قائلًا: صباح الخير يا سقراط، يرد على الفور ويسأل: قل لى من فضلك، ما معنى الخير عندك؟!
شىء من هذا تمنيته فى أثناء لقاء الرئيس مع رئيس الحكومة، لأنهما إذا لم يحددا مسبقًا، ماذا يقصدان بالفقير، مثلًا، وماذا يقصدان بالعدالة الاجتماعية، فالعمل من أجل الفقير، ومن أجل العدالة الاجتماعية، يمكن أن يستغرقهما، ويستغرقنا معهما، ثم لا يتحقق فيه شىء له قيمة فى النهاية!
راجع من فضلك، ما كانت كل حكومة سابقة تقوله، وهى تخاطب مواطنيها، وسوف تكتشف أنه ليست هناك حكومة واحدة، منذ عام 1952، إلى اليوم، إلا وكانت تبدأ بالكلام عن الفقراء، باعتبارهم موضع اهتمامها، ثم كانت تنتهى بالكلام عن العدالة الاجتماعية باعتبارها قضيتها.
ومع كل حكومة جديدة، كان الكثيرون من الفقراء يتبين لهم أن موعدهم لايزال مع الحكومة الجديدة، ثم مع التى بعدها، وهكذا.. وهكذا.
وليس هناك ما هو أدل على صدق هذا الكلام، واقترابه من الحقيقة، إلا أننا فى 25 يناير 2011، وجدنا أنفسنا نرفع شعار العدالة الاجتماعية، الذى كان واحدًا من مبادئ ستة محددة، رفعتها ثورة 23 يوليو 1952!
ماذا كنا نفعل إذن، كحكومات متعاقبة، فيما بين عامى 1952 و2011، وإذا كنا قد وجدنا أنفسنا الآن على هذه الحال؟!
لو سألتنى، فسوف أقول، إن السبب فى مفارقة موجعة كهذه، أننا لم نحدد، منذ أول لحظة، ماذا نعنى بالعدالة الاجتماعية كمبدأ من مبادئ ثورة يوليو، ثم ماذا علينا فى مرحلة تالية، أن نفعل حتى نحققها.. لم نحدد ماذا نقصد بها، ولا بماذا سوف نصل إليها من أدواتنا المُتاحة، فكان أن وجدنا أنفسنا أمامها هى نفسها، وجهًا لوجه، بعد مرور ما يقرب من ستين عامًا على رفعها كشعار.
ولو أراد المهندس شريف إسماعيل، أن يحقق برنامج حكومته المنتظر، شيئًا يلمسه المواطنون الذين يقصدهم، ثم إذا أراد أن يكون مختلفًا عن كل رئيس حكومة سابق، فليحدد ماذا يعنى بالضبط، وهو يتكلم عن عدالته الاجتماعية، وبأى الوسائل سوف يحقق ما يعنيه.. وعندها، أظن أنه سوف يكون قد قطع نصف الطريق!