وائل لطفى
حكايات عن الرئيس والإعلام
>>تأسيس الهيئة الوطنية للإعلام وتغييرات فى المؤسسات القومية وخسائر اقتصادية تجبر القنوات الفضائية على الإطاحة بالوجوه القديمة
>>يوليو المقبل سيكون بداية موسم تغيير شامل فى الإعلام المصرى
>>قصة اعتكاف الرئيس حزنًا على فاتن حمامة التى أثارت اندهاش السيسى
>>قصة الرئيس مع الإعلام بدأت بالتقدير والانبهار وانتهت إلى العكس
>>معظم الملاحظات السلبية يتم توجيهها لإعلاميين يضعون أنفسهم فى معسكر التأييد وليس المعارضة
العلاقة بين الرئيس والإعلام أصبحت بمثابة سر علنى.. أو سر يعرفه الجميع.. وهى من العلاقات التى تختلف نهايتها عن بداياتها.. وقد بدأت بإدراك كبير من الرئيس لأهمية دور الإعلام على خلفية مناهضة الإخوان قبل 30 يونيه ويسعى لاستيعاب الإعلاميين والاقتراب منهم.. هذا التقدير للإعلاميين عبر عن نفسه بلقاءات مختلفة قبل وبعد انتخاب الرئيس السيسى بشكل رسمى.. فبعد أسابيع قليلة من انتخابه عقد الرئيس اجتماعين متتاليين مع رؤساء تحرير الصحف بمختلف أنواعها وتوجهاتها.. وعقب الاجتماع الثانى تم العدول عن الفكرة نهائيًا.. بعد أن دخل أحد الحاضرين فى مشاجرة مع زميل له فى حضور الرئيس طلبًا للكلمة.
وهو ما تكرر بحذافيره عقب اللقاء الثانى مع الإعلاميين ومقدمى برامج التوك شو.. وبحسب أحد المصادر المقربة وقتها فقد تحول الاجتماع إلى «مكلمة» على طريقة برامج التوك شو.. ووجد فيه البعض فرصة للظهور.. بينما وجدها البعض الآخر فرصة لتصفية الخلافات مع خصوم هنا أو هناك.. مما دفع بعض المشاركين إلى التعبير عن خجلهم مما دار فى آخر اجتماع بشكل أو بآخر فإن قصة السيسى مع «بعض» الإعلاميين وليس كلهم تشبه قصة الإمام أبو حنيفة النعمان الذى اعتاد أن يلقى درسه لتلاميذه فى مسجد الكوفة، وهو يمد قدميه لمرض ألم به.. فدخل عليه شخص مهيب الطلعة.. ذو لحية عظيمة فاستحى أبو حنيفة أن يمد قدميه فى وجهه وتحامل على نفسه.. حتى فُتح باب الأسئلة.. فسأل الرجل سؤالًا تافهًا يكشف عن ضحالة تفكيره.. وهنا مد أبو حنيفة قدميه مرة أخرى.. وقال قولته الشهيرة «آن لأبو حنيفة أن يمد قدميه».
هذه القصة لا تنطبق على كل الإعلاميين بالطبع.. ولكن تنطبق على «المطبلين» أكثر من المعارضين والمنتقدين، والمعنى أن انبهار السيسى بالإعلام وبالإعلاميين قد زال بعد احتكاكه ببعضهم.. وزاد أكثر مع تزايد الممارسات الإعلامية المنفلتة فى اتجاهات مختلفة.. والملاحظة التى يمكن رصدها من موقع التحليل، وليس المعلومات أن الرئيس لا يوجه ملاحظاته السلبية سوى للإعلاميين الأكثر تأييدًا له.
فالمرة الوحيدة التى أطلق فيها تعبيره الشهير «ميصحش كده».. كان ينتقد فيها إعلاميًا اعترض على أن ينشغل الرئيس بمقابلة مسئولى شركة سيمنز الألمانية بينما الإسكندرية تغرق فى السيول.. هذا الإعلامى كان وربما ما زال معروفًا بتأييده الشديد للرئيس.
نفس الأمر ينطبق على إعلامى آخر معروف بعدائه الشديد لثورة يناير، وبحرصه على أن يبدو مؤيدًا للدولة فى كل توجهاتها.. وبحرصه أيضًا على أن يرافق الرئيس فى كل رحلاته الخارجية هو وطاقم محطته بالكامل.
هذا الإعلامى لا يحظى بأى معاملة مميزة من الرئاسة.. وباستثناء صورة عابرة وجماعية مع الرئيس فى إحدى السفريات لا يوجد دليل على أن ثمة علاقة خاصة مع الرئيس أو مع الرئاسة.. الأكثر من هذا أن الرئيس قام فى أعقاب انتهاك كبير لحرمة الحياة الخاصة قام به هذا الإعلامى.. كان حريصًا على أن يلتقى مجموعة من الإعلاميين الشبان، وأن يصرح لهم تصريحه الشهير «أنا ماليش شلة»، وعلى العكس تمامًا.. ستجد أن الرئيس قام بمداخلتين تليفونيتين من أصل أربع مداخلات أجراها مع عمرو أديب.. وهو إعلامى مشاغب يُعرف عنه المشاغبة والانتقاد أكثر مما يُعرف عنه التأييد، وإن كانت معارضته تقف على أرضية الحرص على مصلحة النظام والدولة المصرية.
ملاحظات الرئيس والمحيطين به على الإعلام هذه الأيام تنحصر فى عدم المهنية والشكوى تنطبق على الإعلاميين المؤيدين للرئيس.. أكثر مما تنطبق على المعارضين أو المنتقدين.
وقد روى مصدر رفيع المستوى فى الرئاسة قصة طريفة عن إعلامى كان يصاحب الرئيس فى رحلة خارجية حين ورد للجميع خبر وفاة السيدة فاتن حمامة، وباستثناء مشاعر الحزن والتقدير العادية.. لم يكن هناك أى أمر مبالغ فيه حيث اقترح مسئول بمكتب الرئيس أن تصدر الرئاسة بيانًا تنعى فيه الفنانة الكبيرة للشعب المصرى.. وتم عرض الفكرة على الرئيس فوافق عليها.. ومضى لتنفيذ جدول أعماله.. لكن الجميع فوجئوا بخبر على موقع إلكترونى يقول إن الرئيس اعتكف فى جناحه حزنًا على رحيل فاتن حمامة! ولم يكن ذلك صحيحًا.. وعندما عاتب مسئولو الرئاسة الإعلامى صاحب الخبر.. قال شيئًا من قبيل أن صياغة الخبر بهذه الطريقة «لزوم الشغل».. وهو ما أثار استياء مسئولى الرئاسة ودهشتهم فى نفس الوقت! رغم أن الذى صاغ الخبر كان يهدف منه إلى رسم صورة يتصور أنها إنسانية للرئيس.
يمكن تلخيص الأمر بالقول إن الرئيس والمحيطين به بخلفيتهم العسكرية من الزهرة.. بينما الإعلاميون من المريخ!
وبخلاف الاندهاش من بعض الممارسات التى يصفها محيطون بالرئيس بعدم المهنية، هناك ضيق من تركيز الإعلام مع الرئيس، وبحسب احصائية أجرتها مؤسسة سيادية فإن 75 فى المائة من مقالات الرأى فى الصحافة المصرية تخاطب الرئيس وتتوجه له مباشرة.. وبمعنى آخر يشعر الرئيس أن هناك نوعًا من التركيز الزائد معه.. وأن هناك قضايا كثيرة فى البلد يمكن الكتابة عنها.. وهو ما يمكن الرد عليه بأن الرئيس فى بلد مثل مصر يملك 100 فى المائة من أوراق اللعب لذلك لابد أن تتحدث له الصحافة مباشرة.
ثمة انطباع أيضًا بأن كثرة أعمدة الرأى والمقالات وعدم الإتقان فى كتابة بعضها فى الصحافة المصرية تضعف من تأثيرها.. ولكن هذا ليس مبررًا لتجاهل ملاحظات مهمة وانتقادات موضوعية يبديها كُتَّاب ينتمون لمعسكر 30 يونيو ويمارسون النقد على أرضية وطنية.
إلى جانب هذا كله هناك اعتقاد راسخ بأن الإعلام يتجاهل الحديث عن المشروعات القومية الكبرى ليس لعيب فيها، ولكن لتعارضها مع مصالح بعض ملاك وسائل الإعلام.
ويضرب مصدر رفيع بالرئاسة مثلًا بالجولة الجوية التى اصطحب فيها الرئيس 16 إعلاميًا، وتفقد فيها عددًا من المشروعات المختلفة كان منها وقتها مشروع قناة السويس ومشروع هضبة الجلالة البحرية، ومشروعات أخرى مثل الإسماعيلية الجديدة، وكان الرئيس وقتها حريصًا على أن يشرح التفاصيل بنفسه.. ولكن التغطية الإعلامية لم تكن مُرضية أو بحجم الإنجاز الذى يجرى على الأرض.
وبحسب المصدر ذاته فإنه ليس ثمة تقصير فى الترويج للمشروعات القومية.. ولكن بالتأكيد يوجد تعارض بين هذه المشروعات وبين مصالح بعض من يسيطرون على الإعلام فى مصر، وبالإضافة إلى هذا يعترف المصدر بأن هناك مشروعات لا يتم الإفصاح عنها، وإن كان بالإمكان إلقاء الضوء على نتائجها دون الإفصاح عن تفاصيل تأسيسها أو أماكن وجودها ومن هذه المشروعات مصنعا إسالة الغاز العائمان اللذان يرسوان فى أحد الموانئ المصرية واللذان يتم من خلالهما إسالة شحنات الغاز المستورد واللذان تم اللجوء لهما كحل عاجل لأزمة الغاز، والتى هددت عددًا من الصناعات المصرية بالتوقف.. من المشروعات التى يتم التعتيم عليها بشكل متعمد أيضًا محطات الكهرباء الجديدة التى تم إنشاؤها لحل أزمة الكهرباء.. وبحسب المصدر فإنه ليس مهمًا معرفة أماكن المحطات بقدر ما يهم الناس أن يعرفوا أنه بانتهاء عام 2017 سيكون حجم الكهرباء التى تمت إضافتها خلال السنتين الأخيرتين قد وصلت لضعف خطوط الكهرباء التى تم تأسيسها فى تاريخ مصر.. كما أكد الرئيس فى خطابه الأخير.
>>فى ملف الإعلام أيضًا أكد البعض أنه لن تتم العودة لمنصب وزير الإعلام.. وأن الدستور ينص على أن تكون الهيئة الوطنية للإعلام هى المسئول الأول عن الإعلام.. وسيبقى الوضع على ما هو عليه فى انتظار تأسيس الهيئة الوطنية للإعلام عقب إقرار قوانين الإعلام والتى يرجح أن يناقشها مجلس النواب فى دورة انعقاده الثانية.. وهو ما يعنى أن الهيئة لن يتم تشكيلها قبل شهر يوليو المقبل إن لم يكن بعد هذا الموعد.
فى هذا الإطار أيضًا فإن الدولة لن تتخلى عن ماسبيرو، وإن كان ضخ استثمارات جديدة فيه أمر مؤجل لحين إعادة هيكلته اقتصاديًا على أسس استثمارية، بحيث تتم إعادة تدوير الأصول المملوكة لاتحاد الإذاعة والتليفزيون، وتحقيق أقصى استفادة يمكن تحقيقها من هذه الأصول.. وقتها فقط يمكن أن تتم إضافة استثمارات جديدة تهدف للوصول إلى منتج إعلامى جيد.. فى حين أن أية استثمارات سيتم وضعها الآن ستبتلعها الأفواه المفتوحة فى ماسبيرو.
>>ووفق تقديرات متابعة للمشهد الإعلامى فى مصر، فمن المنتظر أن يتغير المشهد الإعلامى بشكل كلى فى أعقاب شهر رمضان المقبل.. حيث من المنتظر أن تدرك العديد من القنوات الفضائية أن أدواتها القديمة فى المنافسة لم تعد صالحة لجذب المشاهدين، وأنها تتورط فى الإنفاق أكثر مما تجنى من الأرباح.. نفس التوقيت هو توقيت إقرار قوانين الإعلام، وإجراء تغييرات رؤساء تحرير الصحف القومية، وهو ما يعنى أن شهر يوليو سيكون بداية موسم التغيير فى الإعلام المصرى.