الأهرام
سكينة فؤاد
عن التعليم.. والجامعة الأمريكية!
وأنا أحاول أن أبقي رأسي مكانه وسط الضربات والأحداث المتلاحقة التي تحاول الانتقام من المصريين وعقابهم علي إيقاف استكمال المخططات الأمريكية والصهيونية للمنطقة وإنهاء حكم الجماعة التي كانت الأداة الطبيعية لتنفيذ المخطط وحيث تترابط حلقات التآمر والحصار للاقتصاد المصري، ومافيا السوق السوداء للدولار، ومحاولات امتصاص تحويلات المصريين بالخارج، ومواقف رجال أعمال وأصحاب ثروات أعطتهم مصر بلا حدود، ولا يقدمون فروض وواجبات المشاركة، وتخفيف الأزمات والتحديات التي تواجهها بلادهم.. وما حدث ويحدث للسياحة وإسقاط الطائرة الروسية، وخفض أسعار البترول لمعاقبة أشقاء أعزاء علي دعمهم لنا، ولتخفيض نفقات الرحلات حول إفريقيا بديلا عن قناة السويس، والحصار المائي من الجنوب، وحيث آلاف الخبراء الصهاينة يسابقون لإنهاء سد النهضة الذي مازلنا نتفاوض حوله، بل ويعلن وزير الري عن التواصل مع إثيوبيا لمعرفة مكان بناء السد الجديد!! وما يحدث في ليبيا والإصرار علي حرمان جيشها الوطني من التسليح الذي يواجه به الجماعات الإرهابية التي تسيطر الآن علي أهم المدن الليبية وعلي بعد كيلومترات من الحدود المصرية.. وللأسف يظل أداء كثير من مسئولي مؤسسات الدولة كأنهم لا يعرفون أو لا يدركون حجم المخاطر والتحديات، وما يجب أن يرتفع إليه مستوي الأداء ليحفز ويعظم مالدينا من إمكانات وقوي بشرية وطبيعية وسياسات للمواجهة.وسط الأحداث المتلاطمة أرجو أن نتخذ خطوات جادة وعاجلة لمواجهة وإصلاح الملهاة الدامية التي نطلق عليها العملية التعليمية، وألا نكتفي بإعادة ترديد الوقائع الكارثية التي تشهدها المدارس، وأن نبحث مع خبراء التعليم وأساتذته الأجلاء وكبار المفكرين الأساليب العاجلة والآجلة لميلاد جديد للتعليم، وإيقاف التدهور الذي يتشارك جميع شركاء العملية ـ وبينهم الأسرة بالطبع والوزارة المسئولة عن التعليم في بلد لم يعد به تعليم، وفي وجود وزير لم يسمع له رأي أو رؤية تربوية وتعليمية.. لا أعرف كيف تتم عملية تعليمية ناجحة في مدارس يعتدي فيها الطالب علي معلمه، بنفسه حكي المدرس الذي تم ضربه كيف أن مجموعة من تلاميذه قامت بشل حركته ليتمكن زميلهم من ضربه بالخرطوم!!وفي مدارس أخري معلم بكسر ذراع تلميذه، وآخر يفقأ عينه، أو يسقط سور المدرسة فيشج رأس التلميذ، أو تقتحم أسر مدرسة بناتهن لتأديب مدرس اتهمته البنات بالتحرش بهن!!

يجب الانتباه أنها ليست قضية وزارة بمفردها يجب أن تكون قيادتها علي أعلي مستويات الفكر والكفاء والقدرة والخبرات التربوية، ومن أصحاب التجارب التطبيقيةالناجحة في التعليم، أيضا هي قضية مجتمع بكامله يجب أن يتشارك في طرح الرؤي والحلول وبحوث نفسية واجتماعية وقانونية تقدم إجابات علي أهم الأعراض المرضية المنتشرة الآن.. كيف يجرؤ مدرس علي التحرش بتلميذاته وإغرائهن بالمال وتهديدهن وتخويفهن بالعقاب والرسوب!! وما هي أساليب إنهاء الظاهرة، وكيف يتم إعداد المدرس تربويا ومهنيا، ومستويات التأهيل والمهارات التي يجب أن تتوافر له ،وكيف نعيد المدرسة مركزا وقلبا لعملية تعليمية جادة وحقيقية وبالأموال الضخمة التي يضطر الآباء لدفعها في التعليم الخاص كيف يتشارك المجتمع مع الدولة في توفير نفقات إصلاح التعليم وتوفير دخول ومستوي عيش لائق للمعلم دون احتياج للدروس الخاصة، وكيف نعيد الكرامة والمستوي العلمي اللائق والواجب لمدارس الدولة، وكل من يشاركون في التعليم ونوقف اتساع الفوارق التعليمية والثقافية والإنسانية بين طلبة المدارس الخاصة وملايين من أبناء مصر في مدارس تمتلئ بالمشكلات الأخلاقية والتعليمية، وصل التدهور إلي حد عجز كثير من أبنائهم رغم الشهادات التي يحملونها عن كتابة أسمائهم!!ولا نستطيع أن نحمل مسئولية ما وصل إليه التعليم لوزارة حالية وحدها، فما تعانيه مصر في أغلب مجالات الحياة من تدهور وأخطرها التعليم حصاد عشرات السنين من الانهيار، ولكن مسئولية الوزارة الحالية أن تعلن خطط واجراءات وخطوات وقرارات بدأت بالفعل للمواجهة.. ولا يمكن ان نظل نكتفي بتبرير فساد وتخريب وإهمال وإهدار عشرات السنين الماضية.. بالطبع لا يمكن إنكار مسئولية هذا الماضي اللعين، ولكن آن أوان إعلان خطواتها للإصلاح بدأت بها الوزارات سياسات جادة للتغيير، وما لم يمكن من السهل تحقيقه في العامين المتتاليين لقيام الثورة في 25/1/2011 بسبب ما توالي من اضطرابات، ثم مأساة صعود جماعة الإخوان للحكم، ثم استرداد المصريين لثورتهم في 30/6 وبداية خطط طموحة لبناء مصر الجديدة، يجب أن يكون أساسها الأقوي والأكثر أهمية سياسات بناء الإنسان، وتحريره من آثار التدهور والتخلف وبدء خطوات فعلية وعملية علي الأرض للتغيير.. وإن لم تكن البدايات الأقوي والأسرع في التعليم فأين تكون؟!! وأرجو أن يكون هذا هو المستهدف الأساس من استراتيجية 2030 وأن قضية أهداف الاستراتيجية الشرط والقياس الأهم لاستمرارية أي وزير أو مسئول في مكانه.. وأيضا امتلاك قدرات وكفاءات تحقيق الاستراتيجية الشرط والقياس الأساسي في اختيار وزير أو مسئول جديد ـ ولعلها تكون القاعدة الحاكمة في اختيار الوزراء الجدد.

في تلخيص لاستراتيجية برامج التعليم والتدريب حتي عام 2030 أقرأ:

تبني استراتيجية للاستثمار في التعليم واستحداث مصادر التمويل علي مستوي الوزارة والمدرسة. وتنمية الكفاءة المهنية والمهارات الفنية للمعلمين وتطوير منظومة تأهيل المدارس للاعتماد، وتطبيق نظام الإصلاح الشامل للمناهج التعليمية، وتطوير منظومة رياض الأطفال وزيادة معدلات القيد بمرحلة رياض الأطفال، وبرامج لدمج ذوي الإعاقة البسيطة في المدارس وبرامج لدعم المتفوقين والموهويين ووضع نظام دعم للأهالي غير القادرين ونظام تقييم دوري لمستوي الطالب استنادا إلي المعايير العالمية وزيادة نسبة الانفاق علي التعليم قبل الجامعي الي الناتج المحلي الإجمالي من 3% الآن إلي 5% 2020 إلي 8% 2030.

من الذي سيقوم بتطبيق الاستراتيجية.. وما هي قياسات نجاحها والرقابة والمتابعة لسلامة اجراءات تطبيقها؟! لاحظت ان الكل يتحدث عن استراتيجية 2030 كأننا مازال بيننا وبينها عشرات السنين، مع أن الأمر لا يتجاوز ستة عشر عاما لتحقيق كل هذه الأهداف، فما الذي بدأ بالفعل؟! ثم هل فاتني قراءة ما يرتبط بالبعد التربوي الذي لا يمكن أن تنفصل عنه أي إصلاح أو تغيير أو ثورة حقيقية تحدث في التعليم.

لقد أكد الرئيس السيسي في أكثر من حديث أن المشروعات المطروحة لبناء مصر الجديدة وجميع الآمال والطموحات التي نتطلع إليها يجب أن يكون أساسها الإنسان، وأن عمران وشبكات الطرق والمدن الجديدة وزراعة ملايين الافدنة لا يقل عنهم أهمية، وضرورة أن لم يكن أولوية تسبق هو بناء وإعمار الانسان ثقافيا وحضاريا مع ارتكاز قوي للعدالة الاجتماعية، وهو ما يقتضي سرعة توفير بنية أساسية جديدة للعملية التعليمية بجميع أركانها، ابتداء بكفاءات ومهارات وحسن اختيار القائمين عليها، والاستعانة بثروة مصر من الخبرات المتخصصة في التعليم والاستفادة بتجارب من سبقونا في تحويل التعليم إلي ركيزة من أهم ركائز نجاح بلادهم. لنستعيد ما كنت علية المدرسة والمعلم والطالب والأسرة وتتطور المناهج وطرق التدريس وحفز المهارات والقدرات ربما يجدد ما كان يحدث في مصر عندما كانت أجيال عظيمة من الرجال والنساء تتلقي تعليمها في مدارس الدولة، وبنفقات تناسب الأقل قدرة، وبمستويات من التعليم جعلت منه أهم مقومات تجانس وترابط النسيج الوطني، ولمقاومة أشكال تغريب وانفصال واستعلاء أخشي علي كثير من أبنائنا منها.ولن أذهب بعيدا عن التعليم في مصر.. ولكن داخل الجامعة الأمريكية وأتساءل هل الجامعات الأجنبية في مصر لها من القوانين ما يجعلها حرة في الانفصال عن المنظومة الوطنية للتعليم أليس من يتعلمون فيها هم أولادنا، ومن حقنا أن نعرف ونضمن ونجد إجابات لكل ما يثار حول أي جامعة، مادامت علي أرض مصرية ويتلقي العلم فيها طلبة مصريون، وماذا عما يقال عن تعيين السفير الأمريكي السابق فرانسس ريتشارد دوني رئيسا للجامعة الأمريكية وما قيل إنه ذكر في حيثيات قرار تعيينه أنه الوحيد القادر علي قيادة الجامعة في تحقيق مهامها السياسية والاقتصادية والاجتماعية المهمة والجديدة التي من المنتظر أن تحققها الجامعة خلال الفترة القادمة في مصر والمنطقة ـ وما رد به السفير علي قرار تعيينه رئيسا للجامعة بالقاهرة. [أنه يؤمن بالدور الذي يلعبه التعليم الدولي في تغيير المجتمعات!]، أليس من حقنا أن نفهم ونعرف أبعاد الدور والمهمة والتغييرات التي يريد أن يحدثها سياسيا واقتصاديا، خاصة أن السيرة الذاتية للسفير تخبرنا أنه عمل كسفير في عدة دول عربية، وله أدواره كمراقب مدني للقوات الدولية لحفظ السلام في سيناء وتقلد مناصب في أجهزة المخابرات الأمريكية ورئيس وحدة مكافحة الإرهاب في الإدارة الأمريكية بعد أحداث 11/9 وأدوار للتمهيد لما حدث في العراق في الفترة من 1999 حتي 2001، ولم يحصل علي درجة الأستاذية الجامعية والتي تعتبر شرطا أساسيا طبقا لقانون الجامعات في مصر لتولي منصب رئيس جامعة، فاتني أن أذكر جملة لفتتني في حيثيات قرار تعيينه ـ أن الجامعة الأمريكية سيكون لها دور خلال خطتها المتطورة والممتدة حتي عام 2019، والذي سيسهم في التغيير السياسي والاجتماعي والاقتصادي في مصر!!

هل هذه أدوار جامعة المفروض أن مهماتها الأساسية التعليم والتثقيف والتنوير، أم هي مهمات وأدوار أجهزة أخري؟!! ثم ما هي الأدوات التي تستخدم في إحداث التغييرات.. هل هم الطلبة أم أن الدور يتسع وينتشر ويمتد لتنفيذ مهمات التغيير السياسي والاجتماعي والاقتصادي في مصر؟!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف