المساء
مؤمن الهباء
شهادة .. ولكن الديمقراطية تهمني
في حوار مع الصحفي الكبير والإعلامي الشهير الأستاذ مفيد فوزي نشرته "الأخبار" الخميس الماضي سئل: البعض يشعر أن المناخ الديمقراطي ليس في حالة جيدة. وكان ينتظر انفتاحاً أكثر تجاه الممارسة الديمقراطية بعد ثورتين.. فأجاب قائلاً: لا تهمني الديمقراطية وليست في اعتباري.. كان يهمني الأمن.. احتاج أن نمشي في شوارعنا بأمان. وأن نعيش في بيوتنا مطمئنين.
ثم سئل السؤال التالي مباشرة: وبعد ان تحقق الأمن نسبياً هل من حق الشعب أن يطلب الديمقراطية؟!.. وكانت إجابته: "الشعب لابد أن يتعلم أولاً.. نحن نتكلم عن الديمقراطية أكثر مما نمارسها.. لا تستطيع ممارسة ديمقراطية وسط أمية من المتعلمين.. لدينا أمية وشعب عايز ياكل وعشوائيات وقضايا ملحة أهم بكثير من الديمقراطية.. الديمقراطية مش هتشيل العشوائيات.. الديمقراطية ليست المطلب الأول في مطالب الشعب المصري.. المطلب الأول أن يأكل ويتعلم ويجد علاجاً مناسباً.. وهذه هي روح العدالة".
بالتأكيد هناك قطاع من الشعب يفكر بنفس الطريقة التي يفكر بها الأستاذ مفيد.. ويري نفس ما يراه.. فالديمقراطية لا تهمهم.. ويحسبون أنها لون من ترف الأفندية الأراذل.. لأن مشاكلنا أكبر وأعمق وأخطر.. ولكن هناك قطاعاً آخر من الشعب - أتشرف بالانتساب إليه.. تهمه الديمقراطية جداً.. ويري أن لا حل لمشاكلنا الكبيرة والعميقة والخطيرة إلا بالديمقراطية.. فهذه المشاكل صنعت وكبرت واستفحلت في ظل الاستبداد والديكتاتورية والصوت الواحد.. ولن تحل في ظل الاستبداد والديكتاتورية والصوت الواحد الذي يروج له الأستاذ مفيد.. وليس أمام هذا الفريق إلا ان يناضل سلمياً.. وبالكلمة الحسني والوسائل المشروعة.. حتي نصل إلي قناعة عامة لدي الجميع بأن الديمقراطية هي الحل.
الديمقراطية توفر مناخاً صحياً تتعدد فيه الآراء والرؤي.. وتتنافس فيه الأفكار والأحزاب والبرامج والحكومات.. وتعلو فيه المساءلة البرلمانية لضمان عدم الانحراف بالسلطة إلي الفساد والاستبداد والظلم ومراكز القوي.. والديمقراطية توفر آليات دستورية وقانونية لاستقرار الحقوق والواجبات والمشاركة السياسية الواسعة وتطبيق معايير الحكم الرشيد والعدالة.. وفي هذا المناخ وبهذه الآليات تستطيع مصر - مثل كل الدول الديمقراطية - ان تقضي علي العشوائيات والأمية والبطالة والإرهاب الأسود.. وتعيد تشغيل المصانع المغلقة وتجذب الاستثمارات وترقي بالتعليم وترسم مستقبلاً أفضل للأجيال القادمة.
نحن لا نتحدث عن نبوءة ولا عن اكتشاف.. العالم كله استقر علي هذه القناعة بعد خلاصة تجارب عديدة لشعوب الشرق والغرب.. شعوب عاشت نفس ظروفنا الصعبة وأنقذتها الديمقراطية.. الديمقراطية صارت حتمية تاريخية لا يجادل أحد فيها.. إذا أردت أن تبدأ مسيرة الإصلاح والبناء فلابد من الديمقراطية أولاً.. الديمقراطية هي الأساس الذي يشيد عليه البنيان.. ولقد حاولنا من قبل مرات ومرات أن نصلح ونبني بدون ديمقراطية وكانت النيات حسنة لدي الزعماء.. ولكن ماذا كانت النتيجة؟!
اليابان بدأت معنا مرحلة بناء الدولة الحديثة في أوائل القرن التاسع عشر - مرحلة محمد علي - فأين نحن الآن من اليابان؟!.. وكوريا الجنوبية والهند بدأتا معنا مرحلة الإصلاح والبناء في منتصف القرن العشرين بعد الاستقلال - مرحلة عبدالناصر - فأين نحن من كوريا والهند الآن؟!.. هذه الدول كانت لديها مشاكل خطيرة مثل مشاكلنا.. ودخلت في حروب مثلنا. لكنها عرفت قبلنا واقتنعت بأن الديمقراطية هي الحل وهي الأساس فوصلت إلي ما وصلت إليه.. بينما نحن مازلنا نتخبط ونتجادل.. ويتصور قطاع من المثقفين وقادة الرأي ان الديمقراطية لا تهم.. وأرجو أن يراجع هؤلاء الفرق بين تجربة نهرو في الهند وعبدالناصر في مصر.. مع ملاحظة ان كلا الزعيمين وطني كان يسعي لنهضة دولته وسط بحر من المشاكل والصعوبات لعل أخطرها الأمية والزيادة السكانية.. لكن الفرق أن نهرو اختار الديمقراطية فنجحت تجربته واختار عبدالناصر طريقاً آخر فتعثر وتعثرنا معه.
الديمقراطية هي التي ستجعل الشعب يستشعر المسئولية ويحملها علي كتفه مع الرئيس ومع الحكومة.. الديمقراطية ليست الفوضي والاحتراب الأهلي.. الديمقراطية هي التي ستضمن قيام واستقرار دولة المؤسسات ودولة القانون.. وستنهي حالة النظام الأبوي الذي يقوم فيه الرئيس والقائد والزعيم محل الشعب أو يوجهه ويرسم له الطريق.. ويكون عليه ان يفعل كل شيء من أجل أبنائه.. الديمقراطية ستجعل الشعب أولاً.. ولذلك فإنها بالقطع تهمنا.. لأنها المستقبل.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف