طارق الأدور
مواقع التناحر الاجتماعي "3"
مازال الحديث مستمراً علي مواقع التواصل الاجتماعي فيس بوك وتويتر ويوتيوب والتي تحولت في مجتمعنا إلي وسيلة للتنافر والتناحر بين الناس وأصبحت مكاناً لتبادل الشتائم والخوض في الأعراض واستعراض ما لذ وطاب من الألفاظ الجارحة التي تحولت في الفترة الأخيرة من كلمات عن طريق بوستات الفيس بوك وتغريدات تويتر إلي وصلات ردح وشتائم بالصوت والصورة تصل إلي متابعيها رغماً عن أنفهم عن طريق فيديوهات اليوتيوب.
وتناولت في الحلقة الأولي ما سببته هذه المواقع من وصول مجتمعنا الذي كان معروفاً عنه الشهامة وحسن الخلق إلي مجتمع يتبادل الشتائم ظناً منه أن هذا الأسلوب هو لغة العصر تقليداً لشخصيات جعلت من الشتائم والألفاظ الخارجة منهجاً جديداً احتذي به الكثيرون.
ثم تناولت الحلقة الثانية تحول هذه المواقع من وسيلة للتعبير عن الرأي دون قيود كانت تفرضها النظم السابقة علي حرية التعبير ولكن رواد هذه المواقع حولوا التعبير عن الرأي إلي وسيلة لتبادل الشتائم والألفاظ الخارجة.
وفي هذا المقال أتناول عنصراً ثالثاً وهو مصادر الأخبار اليومية التي أصبحت هذه المواقع مصدراً رئيسياً لها سواء أكانت صادقة أم كاذبة.
فعندما أسس الأمريكي مارك زوكر برج فيس بوك كأكبر مواقع التواصل عام 2004 لم يكن من بين أهدافه أن يكون الفيس مصدراً للأخبار لسبب بسيط هو أن مصدر الخبر في هذه المواقع مجهول.. وقد لا يكون موجوداً من الأساس.
فقد تعلمنا أن كتابة الخبر هي عنصر أساسي من ضمير وصدق الصحافة.. لأن الخبر حتي يكون صحيحاً لابد أن يأتي من مصدر مسئول في الجهة التي يتحدث عنها الخبر وهو الأمر الذي انهار تماماً مع انطلاق الصحافة الالكترونية ثم ازداد انهياراً مع نشأة مواقع التناحر الاجتماعي.
فأي فرد من بين الذين لهم حساب في هذه المواقع وقد تجاوزوا 300 بليون مشارك يمكنه كتابة أي خبر من وحي خياله ليقوم بعمل "شير" له للآلاف ومن خلالهم قد يصل إلي الملايين.
هذه النوعية من الأخبار أحدثت بلبلة داخل مجتمعاتنا وبخاصة الكاذب منها والذي يكون دائماً أسرع انتشاراً من الصادق.
أي شخص مهما كان مستوي تعليمه أو ثقافته بإمكانه أن يحدث فتنة كبري داخل مجتمعاتنا بخبر كاذب ينشره وربما له في ذلك أغراض خبيثة كالتي نعيش فيها الآن جراء انقسام المجتمع في أي قضية إلي قسمين يختلفان تماماً في الرأي ويصلان إلي الحد الأقصي للتضاد.
التكنولوجيا أيضاً لم ترحم صدق التعبير لأن الخبر الكاذب تحول أيضاً إلي تركيب للصور عن طريق الفوتوشوب وفبركة الأحداث ليس بالكلمة فقط ولكنه أيضاً في الصورة.. ومثل هذه الصور المفبركة تحدث كوارث مجتمعية عديدة.
التكنولوجيا أيضاً جعلت من السهل علي أي شخص انتهاك خصوصية أي شخص آخر بتصويره بجهاز تليفونه الذكي الذي أصبح أكثر غباء من بلطجية الماضي الذين كانوا يستخدمون الفتونة فقط في إظهار القوة ولكن الأمر أصبح الآن تهديداً عيني عينك بالصوت والصورة عن طريق هذه الأجهزة "الذكية".
مرة أخري أريد توجيه رسالة إلي كل مواطن.. لا تعتمد علي هذه المواقع كمصدر للأخبار لأنها تحولت إلي مصدر للفتن والتناحر والتنافر.. وأمور أخري مازال الحديث عنها مستمراً.