الوفد
سناء السعيد
بدون رتوش -رسائل ذات مغزى؟
قرار روسيا بخفض قواتها فى سوريا – وليس بسحبها – أثار الكثير من الأقاويل ونشطت التخمينات لاسيما من غابت عنه رؤية التطورات، فهناك من رأى أنه يمثل صفقة بين أمريكا وروسيا من أجل الضغط على الأسد، وهناك من رأى أنه يجسد تحولا روسيا ضد نظام الأسد. بيد أن المتمعن فى القرار الذى اتخذه بوتين فى الخامس عشر من مارس الجارى يدرك المغزى الحقيقى للقرار لاسيما أن القوات الروسية أدت المهمة بكفاءة وفى فترة زمنية لم تزد على خمسة أشهر ونصف الشهر. حققت المهمة الهدف منها استراتيجيا بما يخدم المصالح السورية والروسية دون أى مخالفة للقانون الدولى. دخلت روسيا من الباب الشرعى لكى تقدم الدعم والاسناد للجيش السورى فى محاربته للإرهاب ولكى تواجه مخطط التقسيم والتحديات الدولية.
لم يكن قرار خفض القوات مفاجئا، فلقد أكدت روسيا منذ البداية أن البقاء فى سوريا سيكون محدودا. ولهذا وبالتزامن مع بدء مباحثات جنيف بين طرفى الحكومة والمعارضة بادرت روسيا فاتخذت هذا القرار بالتنسيق مع الدولة السورية، وبعثت من خلاله بأكثر من رسالة للأطراف المعنية. أولاها رسالة للمجتمعين فى جنيف تؤكد أنها تأمل فى أن يشكل بدء سحب قواتها من سوريا دافعا ايجابيا لعملية التفاوض بين القوى السياسية السورية. أرادت روسيا بقرارها قطع الطريق على الجماعات المعارضة التى ما فتئت تتذرع بوجود قوات عسكرية روسية على الأرض وما قد يشكله هذا من إفشال المفاوضات. جاء القرار أيضا ليدحض أى محاولة للتدخل العسكرى فى الشأن السورى فقطعت بذلك على دول اقليمية كتركيا التدخل عسكريا فى سوريا تحت ذريعة مكافحة الارهاب، فرسالة روسيا مفادها يجب ألا يستمر التعويل إلى ما لا نهاية على العمل العسكرى، وأنه آن الأوان لتحريك عملية التسوية السلمية بصورة جدية والقبول بالحل السلمى بعد أن ثبت استحالة الحل العسكرى للأزمة. كما أن الوجود الروسى فى سوريا بعث برسائل للناتو ولأمريكا تحديدا مفادها أن المنطقة ليست للتقسيم وأن سوريا دولة ذات سيادة ولا يمكن أن تكون للأمريكيين أو الغرب.
ولا شك أن دخول روسيا إلى سوريا قد تم فى توقيت مناسب قطعت معه الطريق على أمريكا ونسفت المخطط الذى كانت تنسجه والذى كان يرتكز على التدخل البرى وهو ما سارعت دول كتركيا والسعودية للتماهى معه عندما أبدت كل منهما استعدادها للمشاركة فيه طالما سيكون تحت القيادة الأمريكية. وجود روسيا فى سوريا لم ينبع من فراغ، فلقد دخلت دعما للدولة وتم هذا بالتنسيق مع الحكومة السورية لا سيما بعد أن أوقف الجيش السورى احتمالية تجزئة المنطقة إلى دويلات وأقاليم. ولقد ساعد الدعم الروسى على استمرار الصمود السورى الأسطورى الذى استطاعت روسيا معه مواجهة الغطرسة الأمريكية التى لم تلبث أن تراجعت أمام القطب الروسى بعد أن أدت قواته مهمتها بنجاح حيث تم من خلال دعمه للجيش السورى استعادة قرى وجبهات ذات استراتيجية عاليه ميدانيا وطرد الارهاب منها مما أمن الوضع للجيش السورى.
وهكذا استطاعت روسيا بكفاءة عالية فى التخطيط والتنفيذ وخلال فترة زمنية محدودة أن تنفذ انجازا مبهرا بيد أنه لم يكن ليتحقق إلا من خلال التنسيق مع الحليف السورى.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف