نصف الدنيا
جيهان الغرباوى
يوم فى شارع قندهار
كل منهما ضاق ذرعا بالآخر، شعر بأنه لم يعد يحتمل المشاكل، وليس عنده استعداد للتضحية، اتفق الاثنان على الانفصال..

تنفيذ القرار جاء أسرع من التفكير فيه

لم يفكرا فيما سيحدث بعد الانفصال (؟)

يشعر الطرفان الآن بالخسارة الفادحة، لكن بعد فوات الأوان .. فلا هما يستطيعان العودة، ولا أحدهما يستطيع الاستمرار بغير الآخر!

(سبتك من غير حتى ما أفكر .. هاقدر أسيبك أو مش هاقدر ... أنا مش هاقدر) !

أغنية أم كلثوم في تليفزيون المقهى الذى نسهر فيه، كانت تلخص القصة .

قصة شمال السودان وجنوبه بعد الانفصال، يحكيها الناس هنا في المقاهى وحول موائد الطعام، وتقرأها حولك في شوارع الخرطوم الواسعة، سيارة مكتوب عليها ( إنها مشيئة الله ) وتوك توك مكتوب عليه (حكمتنى الظروف ) وآخر على خلفيته صورة لشاب سودانى وسيم وتحتها مكتوب ( ساب البلد ) !

الدولار بعد الانفصال مباشرة صار بستة جنيهات سودانى وقبلها كان بثلاثة جنيهات فقط ، الأسعار تضاعفت، الشمال يعانى بسبب عدم قدرته وحده على توفير العمالة اللازمة للزراعة أو الصناعة، والجنوب يعانى بسبب عدم قدرته وحده على تصدير إنتاجه من البترول، كلاهما لم يكسب شيئا، لكن الصين كسبت !

على الأقل تستغل نقص العمالة في السودان الشمالى الآن، وترسل لهم المساجين الصينيين ( عمال تراحيل - وش إجرام ) لمشاريع البناء والمقاولات الكبيرة التى تدر دخلا وفيرا على كل من يعمل بها.

صحيح أن الجار أولى بالشفعة والمصريون أولى بالسفر إلى السودان وأولى بفرص العمل، لكننا مشغولون

بمتابعة عكاشة في البرلمان وريهام سعيد في اللومان وقضية غادة دعارة وخناقة هانى شاكر وحفلات الهيفى ميتال وعبدة الشيطان، ده غير طبعا سى بى سى سفرة، والمسلسلات التركى ( كان الله في العون ) أما السودانيون انفسهم فأين يجدون الوقت، اذا كان معظمهم يقضى نصف يومه في (الملحمة ) ؟

عن نفسى قضيت وقتا طويلا ممتعا بشارع كندهار بالعاصمة السودانية داخل (ملحمة عظيمة) ..

والملحمة في السودان ليست بمعنى الحرب ولا علاقة لها بالاعمال الوطنية الجبارة ، بل هى مطعم اللحوم الشعبى في السوق !

الضانى والجملى والعجالى .. كل اللحوم تشوى على الفحم في الملحمة وتقدم بكميات كبيرة مع الطماطم والبصل وحزم الجرير وطبق من خليط البهارات والشطة، وبدون أرز أو خبز يلتهمها الزبائن تباعا وبجوارهم جردلان وكوز صغير، أحد الجردلين مملوء بالماء المثلج والجردل الآخر مملوء بالزبادى السائل لزوم الهضم .

وغالبا يجلس زبائن المطاعم على مقاعد، إلا في السودان حيث يجلس زبون الملحمة على سرير صغير من الخيش واسمه هناك ( عن جريب ) ، حتى إذا انتهى الزبون من أكل اللحمة ( صحة وعافية ) تمدد في فراشه، ونام ساعة أو اثنتين وحوله أصدقاؤه وباقى الزبائن ، كل في فراشه يشرب الشاى أو الزبادى ويتسامر أويتثاءب أو ينام ...

مش قلتلكم كاتبين على التوك توك (ساب البلد ) !!!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف