المساء
مؤمن الهباء
شهادة -شاهد الزور..!!
ادعي كذباًَ أنه شاهد الباحث الإيطالي المغدور ـ جوليو ريجيني ـ يتشاجر مع شخص أجنبي قوي البنية أمام القنصلية الإيطالية بالقاهرة قبل اختفائه بـ 24 ساعة.. ردد ذلك الإدعاء في أكثر من قناة فضائية ليوحي للجميع بأن هذا الشخص الأجنبي هو المسئول عن اختفاء وتعذيب وقتل ريجيني.
ولم يكتف بذلك.. وإنما ذهب إلي النيابة وعرض عليها شهادته.. وبالطبع أخذت النيابة الأمر علي محمل الجد. ولها كل العذر في ذلك. بعد أن تصاعدت ردود أفعال الحادث.. وتحول من قضية جنائية إلي قضية سياسية دولية.. وأزمة كبيرة تهدد العلاقات الطيبة مع إيطاليا.. بل أصبحت سلاحاً للهجوم علي مصر وأجهزتها الأمنية في البرلمان الأوروبي وغيره من المحافل.
استدعت النيابة صاحب الشهادة ـ الذي يعمل مهندساًَ ـ مرتين.. واستمعت لأقواله.. وعرضت عليه 200 صورة لأصدقاء المجني عليه تعرف منها علي صورة شخص أجنبي قال إنه هو من تشاجر مع ريجيني.. ثم توجهت به النيابة إلي محيط القنصلية الإيطالية لتحديد مكان رؤيته للواقعة.
ولدي سؤاله عن المكان والزمان تضاربت أقواله مع ما جاء بالتحقيقات.. فقامت النيابة بعمل تتبع لهاتفه المحمول الذي أثبت عدم تواجده من الأساس في محيط القنصلية وأنه لم يغادر منزله.. فكانت هذه إشارة أولي مؤكدة علي زيف شهادته.
ثم توالت الإشارات عندما وجدت النيابة أن كاميرات القنصلية والمواقع المحيطة لم ترصد أية مشاجرة.. بل لم ترصد تواجد ريجيني في هذه المنطقة من الأساس.. وبعد أن ضيقت النيابة الخناق عليه لكشف كذبه سألته عن سبب مجيئه والإدلاء برؤيته لحادث المشاجرة فأجاب إجابة غريبة حيث قال: "حبيت أساعد بلدي".
نعم.. أنا أصدقه.. لقد حاول أن يساعد بلده لكي يعبر هذه الأزمة.. حاول أن يساعده بالكذب وبشهادة الزور.. وهو لا يدري أنه يضر ببلده أبلغ الضرر.. ويظهره بمظهر الدولة التي تبحث عن مخرج بأي شكل.. ولو كان عن طريق التلفيق.. وليس بتحري الحقيقة والصدق مهما كانت الحقيقة صعبة والصدق صادماًَ.. فالعالم لا يريد منا غير الحقيقة والشفافية والوضوح.. ولم تعد أساليب اللف والدوران تفيد شيئاً.
للأسف .. هذه هي الفهلوة المصرية التي يظن البعض أنها أسرع وسيلة للهروب من الأزمات.. مع أن كل تجاربنا أثبتت أن الفهلوة أسلوب عقيم عفن يضر ولا ينفع.. ولا بديل عن اتباع الأساليب العلمية الواضحة والمستقرة التي تسير عليها شعوب الأرض في تعاملاتها مع مثل أزمة ريجيني.. لابد أن نقول فعلنا كذا وكذا.. أنجزنا كذا وكذا وقصرنا في كذا وكذا ولدينا عيوب في كذا وكذا فهذا هو الأسلوب الذي يحترمه العالم ويقدره ويصدقه ويتعامل علي أساسه.
لدينا مواطنون كثيرون ومسئولون كثيرون تتوافر فيهم النيات الحسنة والرغبات لخدمة وطنهم وشعبهم.. ولكنهم يظنون أن نجاحهم في مسعاهم سوف يتحقق بالفهلوة والصوت العالي وقلب الحقائق واللعب علي الحبال والنفاق وشهادة الزور.. وهؤلاء يجب ألا يعذروا بجهلهم.. أو يعذروا بحسن نياتهم مثل المهندس شاهد الزور.. فالذي يحاسب الناس علي نياتهم هو الله جل وشأنه.. أما نحن وفي دولة الدستور والقانون. فيجب أن نطبق القواعد والأحكام علي الجميع سواسية.
سمعة الوطن أصبحت علي المحك.. إقليمياً ودولياً.. وما فعله شاهد الزور يجب ألا يمر بدون حساب وعقاب.. كلنا يجب أن نحاسب علي سلوكياتنا.. علي ما نقول ونفعل.. والذين يسيئون الفعل والقول يجب ألا يتعللوا بحسن النية وبحب الوطن.. لأنهم لو أحسنوا النيات لأحسنوا العمل.. ولو أخلصوا للوطن لالتزموا بالصدق.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف