أسكن قريباً من شارع الخمسين بزهراء المعادى، الذى شهد تلك الواقعة المأساوية التى أدت إلى وفاة أربعة شباب، بل قل أطفال، لأن أكبرهم لا يتجاوز عمره 16 عاماً، وقد كنت ماراً بالطريق مصادفة، حين قضى الله أمراً كان مفعولاً ووقعت الواقعة، وتدثرت الأرض بدماء الضحايا. هذا الشارع لمن لا يعرفه شارع عريض لعدة أمتار، وقد قام حى المعادى مؤخراً برصفه، فأمسى يغرى من يسير عليه، خصوصاً من يعانون داء الرعونة والتهور فى القيادة -وما أكثرهم- بفتح السرعات على الآخر، دون حساب للكوارث التى يمكن أن تترتب على ذلك. هذا الشارع أيضاً، شأنه شأن شوارع حى «الزهراء» الأخرى، يعد ساحة من ساحات «الأمركة»، ولعلك تعرف معنى الأمركة بالسيارات، تلك العادة التى يهواها شباب صغير -بعضهم أطفال- لا يجدون التربية ولا الرعاية، ويغريهم شيطان المال الذى يجدونه فى أيدى آبائهم، بالاستخفاف بالشارع ومن يسير فى الشارع.
لست ألقى تهمة قتل أطفال الزهراء الأربعة على أحد بعينه، فالتحقيقات وحدها قادرة على تحديد الجانى، لكن ثمة أدواراً منوطة بـ«حى المعادى»، كان من الواجب القيام بها فيما سبق، وأرجو أن يستدركها فيما هو آت. أولها أن الحى قام برصف الشارع، وهو جهد مشكور، لكن كان من الضرورى أن يأخذ فى الاعتبار إنشاء مطبات صناعية، تخفف من غلواء المتهورين فى قيادة السيارات، خصوصاً من الشباب، وقد يكون من المفيد فى هذا السياق، أن يتحرك بعض رجال المرور إلى الشارع لضبط إيقاع السير والقيادة به، ومنع «الأمركة».
ربما تكون قد احترت فى تفسير هذا العدد من الشباب -فى عمر الأطفال- الذين شاء الله تعالى أن يقضوا نحبهم فى هذه الحادثة البشعة، ويقينى أنه لولا أن الله تعالى سلَّم لكانت المأساة أكبر، ودعنى أقل لك لماذا؟. السبب فى ذلك أن هذا الشارع يوجد به سطر طويل من «الكافيهات» التى تتراص إلى جوار بعضها البعض. والواضح أنها فى المجمل ترتكب مخالفة «البروز»، إذ تبرز بمساحات كبيرة إلى الشارع، تتعانق فيها الطاولات والمقاعد التى يجلس عليها الشباب، الأمر الذى يجعل الشارع -على اتساعه- ضيقاً، وهذا الأمر يعيدنا إلى الحديث عن «حى المعادى» مرة أخرى، فهو مسئول بشكل مباشر عن التعامل مع هذه المخالفة.
ثمة أمر خطير آخر يتوجب الإشارة إليه، يتمثل فى آفة تعاطى الأقراص المخدرة، لست أتهم أحداً بالطبع، لكننى أقول «أخشى» أن تكون بعض هذه «الكافيهات» قد تحولت إلى ساحات للتعاطى، وتقديرى أن الجهات المعنية مسئولة عن التحقق من هذا الأمر، إعمالاً لمبدأ «الوقاية خير من العلاج». فالتجمعات الشبابية التى تشهدها «كافيهات» هذا الشارع وغيره، قد تغرى هذا الشباب الغض بالوقوع فيما لا يحمد عقباه. والحديث عن التجمعات الشبابية الكبيرة يمنحك تفسيراً لهذا العدد من الشباب الذى قضى فى الحادث، وشاء الله تعالى أن تكون مبادرتهم إلى نجدة إحدى السيارات التى صعدت فوق الرصيف، سبباً فى وفاتهم، عندما صدمتهم سيارة مسرعة. أسأل الله تعالى لهم الرحمة والمغفرة، وأن يجير آباءهم وأمهاتهم وذويهم فى مصيبتهم.. «إنا لله وإنا إليه راجعون».