رغم أن ذلك يخالف كل القواعد الاقتصادية المعروفة المستقرة.. وقواعد السوق.. إلا أن الحكومة أعلنت مشكورة في تصريحات متكررة أن قرار البنك المركزي بتخفيض قيمة الجنيه 15% أمام الدولار لن يمثل عبئاً جديداً علي محدودي الدخل.. وأنها لن تسمح للتجار بانتهاز الفرصة لرفع الأسعار.. لكن المشكلة أن هذه التصريحات تظل مجرد كلام غير قابل للتنفيذ إذا لم يقترن بالآليات والقرارات التي تضمن توازن السوق.. وفي النهاية فإن المواطن محدود الدخل الذي ربما لم ير الدولار في حياته هو الذي سيعاني أشد المعاناة من جراء تخفيض قيمة الجنيه.. وسيكون ذلك لامحالة بسبب ارتفاع الأسعار لكل السلع.. المحلي منها قبل المستورد.
نعم.. تصريحات الحكومة حتي الآن مجرد كلام لا يتفق مع الواقع وحقائق الأشياء.. فنحن في بلد يعتمد علي الاستيراد في الجانب الأكبر من طعامه - أكثر من 60% - وفي السلع والأجهزة المصنعة.. بل وفي المواد الخام للصناعات المحلية والأدوية.. وبالتالي لا مفر من زيادة الأسعار إلا إذا توافرت الشفافية الكاملة للحكومة وأعلنت عن سياسات جديدة وآليات جديدة تضمن بها استقرار الأسعار عند مستوياتها الحالية علي الأقل.
لابد أن الحكومة قرأت ما كتبته الصحف في اليوم التالي مباشرة لقرار خفض قيمة الجنيه.. حيث اشتعلت علي الفور أسعار السلع الأساسية بالأسواق وزادت معظمها حوالي 15% مثل الأرز والزيت والبقوليات.. أما الأدوات المنزلية وأدوات التجميل فقد زادت 30% والألبان والدقيق 10%.. وشهدت المجمعات الاستهلاكية زيادة في الأسعار وصلت إلي 5% وذلك بناء علي منشور رسمي من وزارة التموين طبقاً لما ذكرته "المساء" يوم الخميس الماضي.
ورصدت حملة "دافع" لحماية الفقراء ومحدودي الدخل ارتفاع أسعار بعض السلع الأساسية في عدد من الأسواق والمناطق الشعبية بعدد من المحافظات متأثرة بتخفيض قيمة الجنيه وارتفاع سعر الدولار.. ففي الإسكندرية رصد مندوبو الحملة ارتفاع سعر لبن الأطفال المدعم كلياً أو جزئياً بنسبة تتجاوز 50%.. كما رصد مندوبو الحملة بمحافظتي القاهرة والجيزة والدقهلية والبحيرة ارتفاع أسعار المكرونة بنسبة 5.12% والألبان من 3 إلي 5% والأعلاف 10% والسكر 10%.. ليتراوح سعر الكيلو ما بين 75.4. 25.5 جنيه بعد فرض رسوم إغراق علي وارداته.
ونقلت "الشروق" عن مؤسس الحملة الخبير الاقتصادي ماجد علي مطالبته للحكومة بالتدخل السريع عبر طرح سلع ومنتجات بأسعار مخفضة في المجمعات الاستهلاكية التابعة لوزارتي التموين والزراعة وعبر منافذ بيع متنقلة تجوب المحافظات والمناطق الشعبية الأكثر فقراً.
وهناك توجس عام من زيادة كبيرة في أسعار الأدوية المستوردة التي اختفت من الأسواق بسبب عدم توافر الدولار.. والكلام كثير عن عودة هذه الأدوية بزيادات كبيرة في أسعارها.
وهناك توجس آخر بأن حديث الحكومة وتصريحاتها عن مواجهة زيادة الأسعار ليس أكثر من مسكن مؤقت.. وسوف يخفت شيئاً فشيئاً ويترك المواطن يواجه مصيره مع الأسعار التي ارتفعت وصارت واقعاً ولن تعود إلي ما كانت عليه أبداً.
لذلك.. فإن تصريحات الحكومة لن تكون مفيدة ولا مقنعة إلا إذا ارتبطت برؤية اقتصادية شاملة تتضمن إعادة النظر في السياسات القائمة ووضع آليات حقيقية لحماية محدودي الدخل من جشع التجار.. إلي جانب سياسات لعلاج الخلل الاقتصادي بزيادة الإنتاج وتوفير السلع وفتح الأبواب للاستثمارات الحقيقية والإنتاجية وإصلاح منظومة الضرائب وتطبيق مبدأ الضرائب التصاعدية وتطبيق القانون علي ناهبي أموال الشعب والمضاربين علي الأراضي الزراعية واسترداد أموال اللصوص الهاربين في الخارج والأموال المهربة في بنوك أوروبا وأمريكا.
الكلام وحده لن يفيد.. ولن يصلح من الأوضاع القائمة.. بل سيخلق حالة من انعدام الثقة.. لذا.. فلابد من الفعل.