الجمهورية
صلاح عطية
لماذا يريدون منعنا من التبرع؟!! "3/3"
النماذج.. هي ما نحتاجه في هذه المرحلة.. وأعني بالنماذج أمرين.. أولهما تقديم النموذج القدوة. ليكون نموذجاً يحتذيه الآخرون.. أما الثاني فتقديم النموذج لما نريد أن تذهب إليه التبرعات.. بمعني أن نحدد ما الذي نحتاجه من مشروعات. أو أعمال.. وندعو من يشاء من القادرين إلي تبني هذه المشروعات. وهذه الأعمال.. كيف يكون ذلك؟!!
يكون ذلك أولاً بالإعلان عن النماذج الخيرة في مجتمعنا. وهي كثيرة بحمد الله.. ولكن بعضها لا يريد أن يعلن عن نفسه.. يريد أن يكون عمله تطوعاً بلا شهرة أو رياء.. يريده إنفاقاً في سبيل الله.. وفي رعاية أبناء بلده.. دون أن يكون مجلبة للشكر أو الشهرة.. ونحن لا نتفق مع هؤلاء.. فيجب دائماً أن يكون النموذج واضحاً.. مثالاً للباقين ليحتذوه.. وقد أقنعت بالفعل اثنين من الأصدقاء من رجال السياحة بالإعلان عن مشروعاتهما في هذا الشأن.. وكل منهما خصص نحو ثلثي إيراد مشروعاته لخدمة المجتمع وأعمال التنمية في "البشر والحجر".. ولكن اثنين فقط ليس بقدر كاف من بين الآلاف من رجال الأعمال السياحيين. وغير السياحيين.. فهناك عشرات. بل مئات يمكن أن يفعلوا نفس الشيء سواء في السياحة.. أو في غير السياحة.. وهؤلاء يمكن أن يسهموا معاً في تغيير صورة المجتمع من خلال تبني مشاكله. والإسهام في حلها.
والذين خصصوا ثلثي دخلهم لأعمال الخير وتنمية المجتمع هم نموذج. يجب أن يتطور إلي عمل أشبه بالوقف.. أي إيقاف جزء من المشروع. يستمر إلي ماشاء الله.. دخلاً ينفق في أعمال الخير وتنمية المجتمع.. وقد يدفع هذا إلي التفكير في إعادة إصدار قانون الوقف.. ليسهم فيه كل من يريد أن يوقف بعض أملاكه. أو مشروعاته لفعل الخير. وبناء المجتمع.. وهو أمر قد يدفع الكثيرين إلي الاستجابة وسلوك هذا الطريق.. الذي يضمن استمرارية أعمالهم التطوعية.
أما النموذج الثاني الذي أدعو إليه.. فهو تحديد احتياجات المجتمع في المناطق الأكثر احتياجاً.. ودعوة القادرين إلي تمويل مشروعات بعينها في إطار تطويرها.. مثل تطوير منطقة عشوائية.. أو بناء مدرسة بها.. أو بناء مستشفي أو وحدة صحية.. أو بناء مصنع لصناعة ريفية.. أو بناء حي سكني.. أو حتي عمارة سكنية.. ومثل هذه المشروعات يمكن أن تعد دراساتها وتكلفتها.. وتطرح لمن يشاء تبنيها وتمويلها.. فيكون علي الراغب في التبرع أن ينتقي ما يشاء من مشروعات طبقاً لقدراته. ولحجم ما يستطيع أن يتبرع به.. وفي هذه الحالة يسمي المشروع باسم من تبرع به.
ومثل هذه المشروعات وغيرها تحتاج إلي تنشيط العمل الأهلي.. وتنشيط العمل المجتمعي.. وهو دور تستطيع أن تنهض به الأحزاب.. وأن تنهض به أيضاً تجمعات الشباب من مختلف انتماءاتها.. وهو دور دعونا إليه في مشروع للنظافة علي مستوي الأحياء. يتكفل به الشباب المتطوع مقابل مكافآت رمزية.. ونسهم بذلك في إعادة الوجه الحضاري لمصر.. وفي نفس الوقت نسمح بإيجاد حل مؤقت للبطالة يستوعب الكثير من الشباب في أعمال نصف تطوعية.. وتكون هذه التجمعات المجتمعية والشبابية هي نواة كذلك لحصر احتياجات كل منطقة.. والإعلان عنها للراغبين في تبنيها سواء من نفس المنطقة أو من خارجها.
ومصر والعالم حولنا لا يخلو من جهود تطوعية.. وتبرعات بالمال والجهد.. في مشروعات عبر التاريخ القريب والبعيد.. وقد أشرنا إلي بعضها من قبل. وسأضرب اليوم نموذجاً لعائلة صديقة زرت بيتها في لبنان هي عائلة الحريري. التي أمكن لمؤسستها أن تبتعث ما يقرب من أربعين ألف طالب للدراسة الجامعية في الخارج.. وكان هذا الرقم منذ عدة سنوات عندما زرت بيت النائبة بهية الحريري في لبنان.. ولابد أنه زاد علي ذلك الآن.. كما أن إسهام الراحل رفيق الحريري في بناء بلده بعد الحرب الأهلية سواء في رصف الطرق. أو بناء الكباري. أو بناء المدارس أو الجامعات. أصبح مضرب الأمثال.. ومثل هذا نقوله عن البنوك والشركات التي تتبني مشروعات عديدة.. تطوعاً.. في مصر.. وفي غيرها.. وفي مصر الكثير من النماذج.. بعضها لا يريد أن يعلن عن نفسه كما أسلفنا.. كما أن التبرعات لبناء الوطن امتدت في مصر عبر تاريخ طويل. بداية من الوقف قديماً لصالح المستشفيات والتعليم. وأعمال الخير بشكل عام. والذي وصل في إنسانيته إلي حد إطعام الحيوان والطيور.. ثم التبرعات في العصر الحديث بداية من بناء الجامعة المصرية في مطلع القرن العشرين. ثم مشروع القرش.. ثم التبرع لبناء المستشفيات والمدارس.. والتبرع لصالح المجهود الحربي. ومعونة الشتاء. وبنك الطعام. والجمعيات التي تتولي أعمال الخير مثل: رسالة. والأورمان.. وغيرهما.
هل بعد هذا يمكن أن يستمع أحد إلي مغرض. أو مغرضة. يقول. أو تقول: إن الأوطان لا تُبنَي بالتبرع.. لا.. الأوطان تُبنَي بكل جهد يُبذَل.. تُبنَي بكل مشاركة ممكنة من أبنائها.. تُبنَي بتكاتف المواطنين مع الدولة ليسدوا جميعاً احتياجات الوطن والمواطن.. ولنتبرع معاً لصندوق "تحيا مصر".. وتحيا مصر.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف