مثلما فاجأ الرئيس الروسى فلاديمير بوتين العالم بالتدخل العسكرى المباشر فى سوريا تحت سمع وبصر أمريكا جاءت
المفاجأة الثانية بقرار الانسحاب الجزئى الذى رافقه تهديد صريح بأن روسيا قادرة على العودة مرة أخرى إلى سوريا إذا تطلب الأمر ذلك!
لقدأثبت بوتين أنه لاعب شطرنج ماهر فوق رقعة السياسة الدولية وأنه رجل يحسب حساب كل خطوة قبل أن يقدم عليها وأنه على عكس ما تنبأ الرئيس الأمريكى أوباما قبل عدة أشهر بأن تدخل روسيا فى سوريا علامة ضعف وأن بوتين سيندم على هذه الخطوة بعد أن تغرق قدماه فى المستنقع السورى فإن بوتين استطاع أن يتدخل وأن ينسحب طبقا لحساباته الذاتية التى استهدفت إحداث تغيير جذرى فى أرقام المعادلة السياسية والعسكرية للأزمة السورية.
وإذا كان بعض المحللين الغربيين يرون فى الانسحاب الروسى من سوريا إشارة إلى بدء ممارسة روسيا لضغوط حثيثة على نظام بشار الأسد مع بدء انطلاق محادثات جنيف 3 فإن على الجانب الآخر هناك من يرى أنه لو كانت لدى بوتين أى نيات للضغط على الأسد لجرى ذلك خلال الأشهر الستة التى رابطت فيها القوة العسكرية السوفيتية على الأرض السورية وكانت بيدها مفاتيح الحركة لكل شيء بما فى ذلك شفرات الجيش السورى وحلفاؤه من الإيرانيين وفصائل حزب الله.
ولعله لا يغيب عن ذاكرة أحد أن الانسحاب الروسى من سوريا تزامن مع تغيير جذرى فى الموقف الأمريكى حيث غيرت واشنطن خطابها السياسى تجاه الأزمة السورية وبدلا من تأكيدات أوباما المتتالية على موعد رحيل نظام الأسد ورسم خطوط حمراء لنهاية حكمه ولد خطاب سياسى أمريكى جديد يتحدث عن حق السوريين وحدهم فى تقرير مصيرهم والقول بأن الشعب السورى وحده هو من له الحق فى اختيار رئيسه والشكل الدستورى لنظام حكمه.
ولأن السياسة أخذ وعطاء ولا يملك أحد أن يقول بأن روسيا تفعل ما تفعل فى سوريا لوجه الله فإن من الجائز القول بأن موسكو لديها الفرصة للمقايضة مع أمريكا على خيارات الحل السورى مثلما لديها الفرصة لتحديد الثمن الذى تريده من سوريا على شكل مميزات تفضيلية بشأن البترول والغاز السورى وآجال البقاء فوق القواعد الروسية على الأرض السورية مقابل استمرار التحالف الاستراتيجى الذى يضمن عدم الانهيار الكامل للدولة والنظام السوري!
خير الكلام:
<< وراعى الشاه يحمى الذئب عنها.. فكيف إذا كان الرعاة ذئابا!